الكذب سلاح سرى تخصصت أجهزة المخابرات في اللعب به وجني ثماره بكل هدوء واستكانة ووضعوا له قواعد وأسس تحكمه ,استحوذت عليه الأجهزة الاستخباراتية لما له من قوة في توجيه الرأي العام والسيطرة عليه وكذلك الترويج لأحداث من المتوقع حدوثها ليكون الشعب مؤهلاً نفسياً لاستقبالها كما يستخدم في قياس توجهات المجتمع وميوله. اللواء محمد قدري الخبير العسكري قال: إن الكذب عرف كسلاح استراتيجي منذ قرون عدة فكان يستخدم في العصور الوسطى بأن يقوم قائد الجيوش بإرسال رجال له في القرية أو البلد التي ينوى الاستيلاء عليها ,ليشيعوا بين الناس أن هناك جيشا مدمرا قادما لاحتلالهم وينشروا روايات كاذبة عن بأس وقوة ذلك الجيش ,وتكون النتيجة هو استسلام القرية بدون قتال أو بعد قتال هزيل ومع تطور الزمن واتساع المجتمعات تطور الكذب ليكون ملائما مع نمو المجتمعات ولم يصبح مقتصرا على الأغراض العسكرية فقط بل امتد ليؤثر في الاقتصاد والثقافة وجميع مناحي الحياة. ويضيف قدري :الكذب في الأجهزة الاستخباراتية له مستويات ومسميات أشهرها «الدعاية السوداء» لما له من اثر قوى سواء بالسلب أو بالإيجاب على خلق رأى عام يريد المروج للكذبة أن يصل إليه ويحشد له ,فهناك مستوى يجب أن تنتشر فيه الكذبة بسرعة لقياس مردودها أو تأهيل الشعب لتقبل أمر ستضطر الدولة الدخول فيه مثل الحروب . ويشير قدري إلى أن الكذب يتم استخدامه بكثرة في المجتمعات الديكتاتورية التي تسعى فيها السلطة لخلق فزاعات تجعل الشعوب دائماً تحت ضغط نفسي وخوف لتكون داخل حيز السيطرة مثلما كان يتعامل نظام مبارك مع شعبه , حينما كان يروج لمشروع التوريث وحاول تأهيل الشارع لتقبله من خلال حصار المواطن بمخططه وايذاع أنه لا بديل عنه ونشر أكاذيب عن كل الرموز التي يلتف حولها الناس لتشويه صورتها ,ولكن أتت الرياح بما لا تشتهى السفن وفشل المخطط لوجود جبهة مضادة استطاعت كشف كذبه. ويكمل قدري أن الأجهزة الاستخباراتية تقوم بأبحاث دائمة لمعرفة المجتمعات التي سيتم نشر الأكاذيب فيها ,فالترويج للكذب يستند على مدى ثقافة المجتمع والمستوى التعليمي وتاريخه مع الأحداث وخبراته في المجال الذي سيتم استهدافه من الكذبة وتكون تلك الأبحاث في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية ,لمعرفة مدى تقبل أو رفض المستهدف لما سيلقى عليه من كذبة. ويرى قدري أن المجتمع المصري بيئة صالحة لتقبل الإشاعات لما له من خصائص تجعله ينقل الكذبة بسرعة ويضيف عليها «بهارات» تخدم الغرض منها وأكثر الأماكن الصالحة لإلقاء الأكاذيب هي الجامعات والمقاهي, كذلك يتم استخدام الميديا والصحف في خدمة هذه الأكاذيب عن طريق افتراض سيناريوهات تؤهل الرأي العام لفكرة معينة. أما اللواء فؤاد فيود مستشار الشئون المعنوية بالقوات المسلحة فيرى أن فن الكذب يعد من مؤهلات رجل المخابرات ,حيث إن طبيعة عمله تجعله مضطراً للكذب للتغطية على مهامه التي يقوم بها ,ويشرح فيود أن رجل المخابرات يكذب لسببين أولهما الكذب للوصول لمعلومة, فالمعلومة هي الهدف الرئيسي لرجل المخابرات ويسعى للحصول عليها بأي شكل وبأي أسلوب ,وهذا ما يفرض عليه دائماً إدعاء شخصية وهمية تسهل عليه عمله وتكون ستارا له ,ومن هنا يجب أن يكون محترفا في الكذب لكي يقنع المصدر الذي يملك المعلومة ليصل إلى المعلومة المطلوبة ,ويضيف فيود: يجب أن تكون لديه سرعة بديهية تساعده في اختراع كذبة مقنعة توفر له الغطاء المناسب في اى وقت حرج أو موقف صعب يقابله. وثانيها-كما يوضحها اللواء فيود فهو الكذب لإخفاء معلومة,حيث إن العمل الاستخبارى يفرض على القائم به سياجا من السرية ,حيث يرى أن كل معلومة مهما كانت بسيطة أو صغيرة لها أهميتها وقيمتها ,فيتحول تدريجياً إلى مخزن أسرار لا يبوح بأي معلومة وهذا ما يجعله يلجأ للكذب دائماً لكي لا يبوح بمعلومة مهما كانت صغيرة ,لأي شخص مهما كان قريبا منه.