أزمة «الأمناء» جزء من أزمة الجهاز الشرطى.. والعناصر الفاسدة في الداخلية لن تضحى بما تحصل عليه بسهولة العاصمة الإدارية هدفها تأمين الحكومة من تكرار 25 يناير... و«السيسي» وعد ببناء ما هدمه مبارك والوعد لم يتحقق حتى الآن هو قامة اقتصادية وموسوعة فكرية لم تجد طريقها للمناصب في الدولة، صاحب رؤية سياسية واقتصادية كبيرة، ولديه مساحة كبيرة من الخبرة في المجالات المختلفة، كان ولا يزال من الاقتصاديين المعدودين في مصر، تم تهميشه من قبل نظام مبارك، ولم يستمع إليه الإخوان، سرقوا مؤلفاته ليقدموها بأسمائهم، لديه رؤية للنهوض بالبلاد والخروج بها من الأزمة الاقتصادية المؤرقة، ساهم بأبحاث كثيرة، يعمل بتواضع، لكن ربما لا يراه النظام موجودا، بالرغم من رؤيته السياسية والاقتصادية، يبذل كثيرا من الجهد والعناء في سبيل النهوض بالوطن، وتقديم الرؤى والمقترحات، لم يتول منصبا حتى الآن، يمتلك شجاعة إبداء رأيه، لا يوالى ولا ينافق النظام مهما كان، انتقد النظام الحالى في الملف الاقتصادي، وكان أول المطالبين بخروج نظام الرئيس المعزول محمد مرسي من الحكم، عانى كثيرا من نظام مبارك، وتوقع بخبرته قيام ثورة يناير. لديه تصور كامل عن تفكيك ركائز الفساد وبناء البلاد، وكيفية استرداد الأموال المهربة للخارج، يرفض منصب الوزير، لكنه يقبل بمنصب رئيس وزراء فورا؛ لأن رئيس الوزراء لديه سلطة اختيار معاونيه. إنه الدكتور عبد الخالق فاروق، الخبير الاقتصادى ومدير مركز النيل للدراسات السياسية والإستراتيجية، الذي تحاوره «فيتو»: بداية، ما حقيقة دعوتك لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة؟ الحقيقة أن الدعوة انطلقت من عدة أسباب؛ السبب الأول: أن الشعب المصرى علق آمالا كبيرة على الإدارة الحالية، كنت مع الرئيس السيسي بمنطق الضرورة الوطنية رغم أنى كنت من مؤيدى المرشح الرئاسى الأسبق حمدين صباحي، ولم يكن هناك موقف معادٍ للرئيس السيسي، وكنا نتمنى له النجاح، الشعب علق عليه آمالا كثيرة، باعتباره أنقذه من جماعة الإخوان الإرهابية، ولبى نداء الشعب الذي انتشر في الميادين حينها، أخذنا موقفا إيجابيا من الرئيس السيسي، ثم تبين بعد فترة أنه ليس هناك رؤى تجاه إعادة هيكلة الاقتصاد، ويردد الجميع أن من يتولون هذا الملف هم السبب، لكن القائد أهميته أنه يختار أشخاص أكفاء، يتناسبون مع المرحلة والظروف، وهناك اختيار لبعض الشخصيات من أعداء ثورة 25 يناير، ولديها نفس التحيزات الاجتماعية كعهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، كما أن الخطاب السياسي الذي يطرحه الرئيس لم يختلف عن الماضي. وانتقل من مستوى لآخر، الأول هو الإشارة بحديث غير علمى من الناحية الاقتصادية، فالخطاب السياسي للرئيس يردد أنه في حال الانتهاء من الدعم، سينتقل الاقتصاد المصرى إلى مرحلة كبيرة، وأنا تحدثت في كل البرامج، ومستعد لمناظرة أي مسئول، على أي مستوى سواء وزير التخطيط أو رئيس الوزراء أو غيره من المسئولين، أتحدث معهم عن النقاط المهمة في الاقتصاد، وفى هذه الحالة إما أن أنهى عملى في الاقتصاد، أو يقوموا هم بتقديم استقالتهم، كما أنه لا توجد رؤية في إعادة هيكلة الصناعة والزراعة، ولذلك كانت الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. إذن.. هل الحل حاليا هو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة؟ ما دعوت إليه هو جرس إنذار سياسي، لكن من الأفضل عدم إجراء انتخابات حاليا، نظرا لأن الانتخابات الرئاسية ستجرى في 2018، الدورة الأولى، فالأفضل أن ننتظر،، لكن لا بد أن ينتبه الرئيس للخطأ، حيث إنه في عهد مبارك كانت تترد مقولة إن الرئيس جيد لكن من حوله يسيئون له، الرئيس لا بد أن يتحمل مسئولية اختياراته الدستورية والسياسية، بالتالى فإن ما دعوت إليه كان إنذارا سياسيا من شخص له درجة من المصداقية، لدى قطاعات من الشعب. هل تتوقع القيام بثورة ثالثة؟ الثورات لا تقوم بين يوم وليلة، لكنها تقوم بسبب حالات احتقان بظرف موضوعى ناضج، وصل إلى أعلى مستوى وهو ما حدث في ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولم نصل إلى هذا الوضع حاليا. كيف ترى أزمة أمناء الشرطة المتكررة، وهل أنت مع تشديد العقوبات على المخالفين؟ وضعت كتابا منذ عام 2012، وهو كيف نعيد بناء جهاز الشرطة، وكان هناك مجموعة من الأشخاص ذوى الخبرات الأمنية الأكفاء، عرضت بالتفصيل أسباب انهيار جهاز الشرطة، وكيف يمكن إعادة بنائه مرة أخرى، وكيف يمكن تغيير عقيدة الشرطة، اقترحنا أن تقسم وزارة الداخلية لوزارتين كما في إسرائيل، وهى وزارة الأمن العام، وتكون معنية بكل قضايا الأمن الجنائي، وأيضا وزارة أخرى للداخلية، تضم كل قطاعات الخدمة المدنية، حاولنا عرضها على الرئيس المعزول محمد مرسي، وهناك أشخاص من مكتب الإرشاد قاموا بسرقة الأفكار، أزمة أمناء الشرطة هي جزء من أزمة جهاز الشرطة ككل، تضخم الأمناء وإحساسهم بالمسئوليات التي تقع على عاتقهم، إضافة إلى فساد الكثيرين منهم، واستخدام الوظيفة للتربح، وتعويض مرتباتهم هو ما دعاهم لذلك، العناصر الفاسدة في الشرطة لن تضحى بسهولة بما تحصل عليه، لذلك نحتاج تفكيك عناصر الفساد الموجودة بالدولة بالكامل، وليس في الشرطة فقط. كيف ترى دور منظمات المجتمع المدنى في مصر، وهل تتلقى معونات من الخارج؟ منظمات المجتمع المدنى ضرورة في أي مجتمع حديث، ومنظمات حقوق الإنسان يحسب لها تاريخيا أنها أدخلت حقوق الإنسان في أدبيات السياسة العامة، ولعبت دورا كبيرا في حماية قطاعات من السكان في مواجهة تعسف السلطة، ولعبت دور حماية الكوادر المعارضة من تعسف الأجهزة الأمنية خاصة وزارة الداخلية، لكن هذا لم يمنع من وجود درجة من درجات التلويث والأجهزة الخارجية، والتمويل أفسد جزءا من نشطاء حقوق الإنسان. هل تبحث عن منصب حاليا؟ في عام 1993 عرض عليَّ جهاز كبير التعامل معه ورفضت، وفى عام 2008 عرض عليَّ أيضا ورفضت، لم أعرض نفسى على أحد، ولدى كثير من الكتب والخبرات، لو طلب منى أي أمر أو مشورة سأقدمها، ولن أقبل حاليا منصب وزير، لكنه في حال عرض منصب رئيس وزراء عليَّ سأقبل فورا، نظرا لأن رئيس الوزراء لديه سلطة اختيار معاونيه، وأنا لدى تصور كامل ببناء البلاد، لدى تصور كيف يمكن تفكيك ركائز الفساد، وكيفية استرداد الأموال المهربة للخارج. من وجهة نظرك.. كيف يمكن الخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية؟ أشياء كثيرة تخرجنا من الأزمة الاقتصادية، أولها إزالة سبب العجز في الموازنة العامة للدولة، والذي يأتى نتيجة النفقات المتزايدة، بالرغم أنها أقل من الضروري، في التعليم والصحة وغيرها، والإيرادات أقل بكثير، وهو ما يؤكد وجود فجوة، تمول الفجوة عن طريق بعض الوسائل، الأولى من خلال الاقتراض من الأشقاء العرب، وهو ما يجعل هناك مخاطر اقتصادية وسياسية، أو من خلال الاقتراض من الداخل، وهو ما يجعل هناك زيادة في الدين الداخلي، والحل في ذلك هو تعديل النظام الضريبي، والولايات المتحدةالأمريكية تتحصل على 41% للحكومة والولايات، والمشكلة أن الضرائب عندنا حاليا 22.5%. وأيضا يجب إلغاء الضرائب على الأرباح الرأسمالية، وهناك أشخاص امتلكوا فيلات وقرى سياحية، منذ 1983 حتى نهاية 2010 ب415 مليار جنيه، من نفذ هذا الأمر 12 شركة، حققت أرباحا رأسمالية 300 مليار جنيه على مدى الثلاثين عاما، لم تتحصل الدولة على مستحقات وضرائب منهم، لذلك فإن البدائل هي نظام ضريبى عادل نستطيع لكى نحصل من خلاله، على الأقل وفقا لخبراء الضرائب، ما بين 40 إلى 60 مليار جنيه، ظاهرة الحسابات والصناديق الخاصة التي تمتلك أموالا طائلة، تقدر فوائضها ب 100 مليار جنيه، بالتالى لدينا فواقد مالية كبيرة، نستطيع من خلالها الخروج من الأزمة، وأيضا هناك قطاعات إنتاج مهملة، ومتروكة لمافيا الفساد، مثل قطاع الثروة المعدنية وقطاع البترول، لو جرى إعادة هيكلته وضبطه وعقود جديدة مع الشركات الأجنبية، لدينا 175 شركة أجنبية، وشركات قطاع وشركات مشتركة أكبر من الشركات الموجودة بالسعودية والكويت والإمارات والجزائر، لذلك هناك خلل في إدارة القطاع، من حيث الموارد والإمكانيات يوجد قدرات، لكنها من الممكن أن تدار بطريقة غير جيدة أو بسبب عمليات الفساد. لدينا فجوة 50 مليار دولار تتسع كل يوم بين الصادرات والواردات، بلغت وارداتنا هذا العام 80 مليار دولار، ونصدر أقل من 30 مليار دولار، في عام 1971 كانت الفجوة بين الصادرات والواردات نحو من 8 إلى 9 مليارات دولار، لكن اليوم الأمر اختلف كثيرا، وهو ما يضغط على الاحتياطي النقدي، وأيضا على الجنيه، لذلك نمد يدنا للخارج. واريد الإشارة هنا إلى أننى أمتلك برنامجا اقتصاديا عرضته على المرشح السابق حمدين صباحي، أعلم كيف نستطيع إدارة البلاد، بدلا من الذهاب إلى أولويات غير صحيحة، مثل السعي لبناء عاصمة إدارية جديدة، أو التوسع في مجالات لا نستطيع تدبير قدراتها المالية لها، ونهمل في شركات القطاع العام، العاصمة الإدارية هدفها تأمين الحكومة من تكرار 25 يناير مرة أخرى، والاعتصام في التحرير، وهو ما يشل حركة الدولة، والحكومة ليس لها أولوية أو أهمية اقتصادية، قيل إن المدن الجديدة ستخفف التكدس عن البلاد، لكن ذلك لم يحدث، نحتاج إعادة تنظيم القاهرة.