فرق كبير وشاسع بين جمهور الرئيس عبد الفتاح السيسي في بداية حكمه والذي كان يضم قطاعات كبيرة من الشعب من أعداء اليمين الدينى عامة أو ممن تطلعوا لمرحلة جديدة من الحكم المدنى والديمقراطى أو حتى ممن كانوا يرغبون في استعادة حقبة ناصرية اشتراكية حتى وإن كانت تحت غطاء عسكري صريح، الجميع كان يرغب في حدوث تغيير على يد الرئيس حتى وإن كان هذا التغيير رجعيًا! لكن الرئيس تخلى عن كل هؤلاء واختار أن يكون جمهوره من المشفرين.. نعم فالجمهور المشفر والشعب المشفر هو من يستطيع الاشتراك في باقة قنوات ترفيهية عربية أو أجنبية كل شىء فيها جميل وكيوت وسهل مادامت النقود حاضرة والمعاناة غائبة، فحتى السياسة تصبح ترفيهًا، لا شىء يهم، الحياة وردية تماما والناس الفقرية التي تشكو من الغلاء وانهيار قيمة الجنيه هم في الحقيقة بلهاء ومغيبون أو مرضى مصابون بداء الهلاوس، فالغلاء هلاوس والزحام هلاوس والفقر كلمة من الماضى السحيق والمرض مجرد تهيئات من الفراغ والراحة التي ينعمون بها! لذا كانت مداخلة الرئيس الثانية في أقل من شهر مع المذيع الشهير عمرو أديب واقعية جدا وناجحة مع جمهور الرئيس من الأغنياء الذين يحيون في مصر الخاصة الجميلة بمنتجعاتها وأحيائها الراقية ومواصلاتها الرائعة وأسعارها المعقولة جدا والتي تقل كثيرا عن مصايف الريفيرا في إيطاليا وفرنسا وجزر هاواى ! لذا فهم صادقون عندما يدندنون بقاهرة عمرو دياب ومحمد منير أو يحلفون بالله أن مصر جميلة تأكيدًا لشوتتات الست ساندرا! أما جمهور الرئيس من سكان حكر أبو دومة ومنشية ناصر وعشوائيات المحافظات أو حتى من بقايا الطبقة الوسطى الذين كشف الغلاء سترهم فلا يهمهم سماع إنجازات مستقبلية ومشروعات عملاقة كلفت خزينة الدولة الخاوية مليارات من الدولارات والجنيهات لذا لم يهتموا بحديث الرئيس ولم يسمعوه من الأساس شأنهم شأن غالبية المصريين الذين لا يطيقون الاشتراك في باقة أوربت أو غيرها ويكتفون فقط بالاشتراك في قطار درجة ثالثة أو مترو الزحام القاهرى! من هو جمهور الرئيس الذي تبقى له؟ ومن هم المستهدفون من مداخلة الرئيس مع قناة فضائية غير مصرية وما هي الرسالة التي يود الرئيس أن يوصلها لفئة معينة هي بالأساس راضية بأى نظام يحكمها طالما كانت مصالحها مصانة وأموالها محفوظة ومتزايدة وعلاقتها ممتدة ومتداخلة مع النظام ومع مؤسساته! كان أحرى بالرئيس أن يرد على المذيعة عزة الحناوى التي تعمل في تليفزيون الدولة الرسمى والتي انتقدت سياسات الرئيس أكثر من مرة وفى العلن دون تلميح، كان أولى بالرئيس أن يشرح لها خططه العاجلة والمستقبلية والتي من شأنها السيطرة على التضخم والحفاظ على قيمة الجنيه المتهاوية ساعة بعد أخرى. كان أولى بالرئيس أن يخاطب أغلبية الشعب الذي يعانى همًا متزايدًا وينفق حياته في السعى وراء لقمة العيش وتعليم الأبناء وستر البنات بقليل من الكرامة، شعب أوربت هذا لا يعرف شيئا عن مصر أو المصريين الذين يعيشون في عزلة تامة عنهم حتى صاروا شعبا من المشفرين! [email protected]