فى حوار التسامح بعد صمت طويل.. الفتنة الطائفية صناعة «صهيو أمريكية» جدى وجدتى كانا يصومان رمضان.. ووالدتى تحلف بالأذان الكاتبة فريدة الشوباشي سيدة مصرية أصيلة حوت بداخلها الدين المسيحي والإسلامي ، وكأنهما نهر واحد يتدفق فى وجدانها, لذا ترفض أن يطلق علي المسلمين والأقباط عنصري الأمة , حتي أن الحديث المتكرر للرئيس السابق حسنى مبارك عن عنصري الأمة أثار شجونها وأخرجها عن صمتها وأفشت سرها الذي كانت تحويه بصدرها طيلة 47 عاماً لتكتب وقتها مقال «عنصر واحد» فهي تعتز بمسيحيتها التي ولدت بها وتري أن الإسلام الذي اعتنقته بإرادتها الحرة قد أكملها ..«فيتو»حاورت الشوباشي عن القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية والعلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر .. فالي نص الحوار كتبت مقال «عنصر واحد» وكان له تأثيره .. فكيف ترين العنصر الواحد للأمة المصرية منذ طفولتك ؟ عندما نتحدث عن حالة الود التي كانت سائدة بيننا فأبسط الأشياء إني لم أكن أعرف أن هناك فروقا بيننا – المسلمين والمسيحيين – وقد عشت حياتي كمصرية طبيعية , ومن الأمور التي طبعت شبابي وحياتي كلها ومفهومي للوطنية تبلور عام 1956 وكان عمري وقتها 18 عاما وكان ليّ أخ يصغرني بعامين ونصف العام هرب من المنزل وادعي أن عمره 18 عاماً ليتطوع في المقاومة الشعبية أثناء العدوان الثلاثي وعندما ذهب أبي للبحث عنه في حلوان – حيث كنا نسكن – سألته أمي عن أخي فقال لها إنه تطوع وعندما جزعت أمي لذلك قال لها أبي «ما يموت هو أحسن من اللي ماتوا في سينا», فكان أول درس في الوطنية تعلمته، وفي نفس العام كان لدينا راديو نادر كبير ووجدت والدي يحتضنه باكيا وهو يقول: ضربوا صوت العرب أثناء العدوان الثلاثي.. وهذه كلها أمور محفورة في الوجدان وتشكل التكوين وجعلتني اشعر ان المصريين عنصر واحد. وماذا عن الطائفية؟ حتي السبعينيات لم نكن نسمع عن طائفية أو انتماء ديني، فقط كنا نسمع عن الوطن. كيف كانت علاقتك مع الأهل وخاصة عند ارتباطك بزوجك الكاتب علي الشوباشي؟ عشنا عمرنا ولا نعرف شيئا عن ديانة جيراننا أو زملائنا بالمدرسة بدليل أني نشأت في بيت مسيحي وعرفت زوجي الكاتب علي الشوباشي وهو مسلم و كان يعمل باحدى الشركات أثناء دراسته الجامعية، فقد كان يساريا يرفض أن يأخذ المصروف من أهله، بينما كنت أعمل لمساعدة عائلتي، وتعرفنا وأكتشفنا أن كل منا لا يستطيع أن يعيش دون الآخر، ولم يسأل كل منا الآخرعن ديانته، وهذا أكبر دليل علي أن المجتمع المصري لم يعرف التعصب الدينى . وكما يقال, بالعشرة نتبين جوهر الناس فوالدة زوجي التي كانت معترضة علي زواجنا عاملتنى كابنتها بعدما اقترنت بابنها, بينما والدتى وهى مسيحية كانت مثلا تقسم وتقول «بحق هذا الاذان» فهكذا كانت ثقافتنا . ما هي أهم ذكرياتك في الطفولة والتي تعزز عنصر الأمة الواحد ؟ أذكر في شهر رمضان - عندما كنا صغارا – كنا نفطر في وقت أذان المغرب برغم أننا تناولنا وجبة الغداء وفي العيد الصغير والكبير كان والدنا يشتري لنا ملابس جديدة فهناك أمور كانت جميلة بمصر , وكان جدي لأمي من أعيان قرية التبين – جنوب حلوان - فكانت عائلتي ترسلني وأنا طفلة في الصيف الى هناك وفى اعوام كثيرة كنت اقضى شهر رمضان هناك الهو مع الاطفال فى فرحة خاصة عندما نذهب لمؤذن المسجد , وبالمناسبة كانت جدتي وجدي يصومان دون علم احد وكانت هي العائلة المسيحية الوحيدة بالقرية فكانت جدتي تبعث بي مع الأطفال لسماع الأذان ثم نأخذ في ترديد كلمة «أدن .. أدن» لتبليغ أهل القرية لعدم وجود ميكروفونات آنذاك , وعندما نصل تغلق جدتي باب المنزل – حتي لا يقال إنهم ينافقون المسلمين – ويفطرون. وماذا بعد زواجك من الكاتب علي الشوباشي ؟ تزوجنا في فبراير 1958 وفي فجر يناير 59 تم اعتقاله وكنت أراسله بالفرنسية التي كنت أجيدها لكن مباحث أمن الدولة اعترضت وقالت لابد أن تكون المراسلة باللغة العربية ومن هنا قال ليّ زوجى يجب أن أدرس اللغة العربية وبالفعل تقدمت مرة أخري وحصلت علي الإعدادية وبعد ثلاث سنوات حصلت علي الثانوية بمجموع كبير واخترت الالتحاق بكلية الحقوق بناءعلي رغبة زوجي لكني اكتشفت أنه الاختيار الصحيح لأنه كان يعرف استعداداتي , وفي السنة الدراسية 62-63 درست أصول الفقه وكنت مازلت مسيحية , وقرأت كتبا عن سيدنا عمر بن الخطاب ومنها كتاب الفاروق لعبد الرحمن الشرقاوي وكأن سيدنا عمر بن الخطاب خرج من الكتاب وقال ليّ تعالي فأنا لم ار سيدنا عمر ولا ما الذي كان يرتديه لكني رأيت أفعاله وانبهرت بحس العدالة لديه وهي أعلي قيمة في الإنسانية كلها لأن جوهر أي ديانة هو العدالة فما بالنا بالإحسان وسيدنا عمر كان تجسيدا لهذه المبادئ وبعد عمر بن الخطاب يأتي عمر بن عبد العزيز. وماذا بعد انبهارك بسيدنا عمر؟ أخذني ذلك للقراءة في المزيد من سيرته وكتبت لعلي وهو في المعتقل عام 1963 وقلت له أنا قررت أعتنق الإسلام وأرسل ليّ خطابا يسألني عن السبب الذي دفعني لذلك وقلت له إني قرأت عن سيدنا عمر وأشعر أن الدين الإسلامي يكملني , ودائما ما أقول إني لم أنكر مسيحيتي لكني أحسست أن إسلامي يكملني بدليل أن هناك أمورا في المسيحية حفرت في وجداني مثل الكلمة التي يقول المسيح فيها «ماذا يفيد الإنسان لو كسب العالم كله وأخيراً خسر نفسه » وعندما يقول سيدنا عمر «عندما يجوع المسلمون فلا مال لأحد» فليس هناك أروع من هذه العدالة ويعترف بصواب المرأة فيقول «أصابت امرأة وأخطأ عمر» فلم يفرق بين الرجل والمرأة , ولذا اعتنقت الإسلام لأنه اختياري بدون تدخل من أحد. كيف كان إشهار إسلامك ؟ ذهبت لأحد مشايخ الأزهر فقال لي يا بنتي انتي عايزة تتزوجي , فقلت له إني متزوجة فما كان منه إلا أن قال ليّ إذن تريدين الطلاق فقلت له لا فزوجي مسلم وسألته أليس هناك من يُسلم لوجه الله فما كان منه إلا أن أخذ يشد علي يدي ويقول بارك الله فيك يا بنيتي, ومنذ عام 1963 وحتي عام 2010 لم يكن أحد يعلم بإسلامي إلا دائرة ضيقة جداً لأني أرفض المتاجرة بالدين وقد عُرض عليّ عندما كنت في فرنسا أن اكتب سيرة حياتي وكيف تحولت من المسيحية للإسلام مقابل مبالغ وإغراءات رهيبة لكني كنت أرفض لأني كنت أعلم أن هذه الأمور سوف تستخدم بطريقة لا علاقة لها بالدين ولها علاقة بالسياسة وقلت وقتها إن اللغة بيني وبين ربي لا يتحدث عنها أحد غيرنا فإما أن أقول له " يا أبانا الذي " أو أقول " بسم الله الرحمن الرحيم " وذلك يتوقف علي قناعاتي والله يعلم الذي يدور بداخلي لكن لا أحد يتدخل في هذا الأمر. وما الذي دفعك الى البوح بالأمر بعد كل هذه السنوات الطويلة ؟ عندما عدت لمصر وبعد وقوع عدة حوادث طائفية بدأت بعد حكم الرئيس السادات الذي كان يُطلق علي نفسه الرئيس المؤمن وسار علي منواله مبارك وكان الحديث عن الوحدة الوطنية التي لم تكن أبداً مهددة بدليل أن الذي اهتدي لنظرية إذابة خط بارليف بالماء فى حرب اكتوبر كان ضابطا مصريا قبطيا ومن استشهدوا علي الجبهة المصرية كانوا مصريين لا فرق بين المسلم والمسيحي , لكن ما حدث من فتن هو مجرد فرز طائفي في الشارع المصري فهذا مخطط خبيث, لأن «عنصري الأمة» عبارة مصكوكة في المخابرات الغربية والصهيونية الإسرائيلية لأننا لسنا عنصرين بل عنصر واحد. ومن هنا كانت فكرة مقالي «عنصر واحد» الذي كشفت فيه لأول مرة علناً عن إني كنت مسيحية , وكنت أري أن كلمة عنصري الأمة بداية الذهاب لطريق سيء وكأننا مصريون وغير مصريين أي أن هناك عنصرا آخر وكتبت ذلك لمصر , فهناك تخريب للعقل , وليس هناك ما يسمي بأقلية قبطية لأننا بذلك نقدم لأمريكا ذريعة التدخل في مصرعلي طبق من ذهب .