ليست الكتابة ترفا، ولكنها فريضة ، أن يكتب الإنسان فكرته، وهو مدرك لأهمية فعل «الكتابة» وقدسيته فإنه يتعبد لله ، الكتابة هي الفريضة الغائبة ، الكتابة لحظة مقدسة ، ليس في تاريخ «الكاتب» فحسب، ولكن في سجل البشرية ، ويستمد فعل «الكتابة» قداسته من أنه كان حالة من الحالات التي تعلمها الإنسان مباشرة من الله دون وسيط أو وحي أو إلهام ، فالله سبحانه هو الذي علم الإنسان الكتابة حين علم آدم الأسماء كلها ، رأى آدم عليه السلام وهو يتأمل الكون وما حوى أن الله كتب الكون كله ، فجعله كتابا مسطورا و«كتابٍ مسطور» وأقسم بالقلم و«القلم وما يسطرون» وجعل المعرفة تبدأ من الحرف المكتوب فكانت « ألف لام ميم » و «ألف لام راء » و « كاف هاء ياء عين صاد » و « نون» وعلم الله آدم الأسماء كلها ، وطلب منا أن نقرأ ، فقال سبحانه «اقرأ» فريضةُ ُ إذن أن نقرأ ، ولا يستطيع الإنسان أن يقرأ إلا إذا كانت هناك كتابة ، لذلك « علَّم بالقلم ، علَّم الإنسان ما لم يعلم» ولأنه قال لنا «اقرأ» فإننا حين نقرأ تكون الكتابة جاهزة ، تكون حروف الكتابة مكتملة ، وما على الإنسان إلا استخلاص المعاني، وحين تكون الكتابة جاهزة تكون المشكلة هي غياب القراءة ، ومن ثم تنشأ فريضة القراءة ، أما قبل الكتابة ، فإن الحروف والكلمات تكون غائبة ، وبالتالي يكون فعل القراءة غير وارد من الأصل لأن وجوده يتوقف على وجود الكتابة ، إلا أنها مازالت عدما ، فإذا ما كتب الكاتب وهب لأفكاره الحياة ، وأعطى أمر «اقرأ» إمكانية أن يقوم المأمور بتنفيذ أمر الآمر ، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، ولذلك عندما قال الله سبحانه «اقرأ» كان الجواب «ما أنا بقارئ» لكن عندما يكون الأمر«اكتب» فيجب أن يكون الجواب «إنما أنا كاتب إنما أنا كاتب»