بالطبع في هذا الأسبوع الأول من شهر الخوف السنوي للحكومة المصرية، لا يمكن تجاهل حديث الرجل الثاني في انتخابات الرئاسة الأخيرة الأستاذ حمدين صباحي، وخاصة أن هذا الرجل كان من الممكن أن يكون رئيسا لمصر لولا المراهقة السياسية التي أصابتنا جميعا في أول انتخابات رئاسية (حقيقية) في مصر، وذلك بعد ثورة النبلاء في يناير؛ حيث حل حمدين ثالثا بعد مرسي وشفيق بخمسة ملايين صوت، وبفارق ضئيل عن اثنين، أحدهما تدعمه جماعة سياسية قوية لتمسحها بالدين، والآخر كان مدعوما من جهات كثير، ومن كل أعداء الإخوان وهم كثر أيضا! المهم أن الرجل بدا للكثيرين كأنه كافر وخائن، نعم فقد تجاوز حمدين الخطوط الحمراء التي قد وضعها الكثيرون لأنفسهم قبل أن تضعها الدولة ذاتها عند الحديث عن الرئيس، حتى إن تحاشى ذكر اسمه صراحة، كما أن الرجل تحدث بصراحة عن الظلم الاجتماعي بكل وضوح منتقدا قصر بعض الوظائف السيادية على فئات معينة من المجتمع وحرمان أبناء الفلاحين والعمال منها، وإن نسى أن يقول حرمان الجميع عدا القلة المحمية بسياج العائلة والنفوذ المتوارث والمال أيضا! وهل كل ما قاله حمدين خفي عن الدولة والنظام والرئيس؟!.. حسنا، إن كان خفيا على الرئيس وأجهزته، فقد أنار الرجل طريقهم بالعلم.. والعلم نور لا محالة، وإن كان الرئيس لا يعلم ما يدور بين الناس سرا وجهرا في المنازل والنوادي والمقاهى والمواصلات العامة والأسواق من حديث مشابه لذلك، أو أشد وأجرأ وأخطر بكثير مما قاله حمدين، فتلك كارثة.. فلماذا الهجوم على الرجل إذن من قبل طرفين محددين، وهما أبواق الدولة من إعلاميين وأشباه صحفيين أو محسوبين على النظام الذي يسيئون إليه وإلى الرئيس، ورفضهم حديث الرجل وتخوينه؛ لأنه تحدث عن حق الشعب في الحياة الكريمة والعدل والرخاء وجزء من ثروات بلادهم الممنوحة للبعض دون الآخر؟.. حسنا، هل الرئيس ضد ذلك؟.. وهل يعارض وصول الحق لأهله وهو الشعب بدون تمييز؟ إذن نحن لسنا في دولة، ولا تحكمنا منظومة مؤسسية بل تكية تدار بالهوى والهوى يهوي بالجميع ولو بعد حين، ولعل ذلك ما حذر منه حمدين صباحي في حديثه مع الإبراشي، لماذا إذن التخوين من قبل السادة الموكلين أنفسهم بالتحدث باسم النظام أو الدولة والرئيس نفسه؟!، خاصة أن أحدا من الجهات السابقة لم يبد امتعاضه من كلام حمدين.. فهل خان الرجل الوطن لأنه يريده وطنا بحق ويتحدث في بديهيات المواطنة التي لا يعلمون عنها شيئا؟، فما تحدث عنه الرجل لا يعدو تبسيطات وشروح بسيطة بمقياس العالم كله من حولنا حول مفهوم المواطنة! أم أن السادة الإخوان ومن يتبعهم، بالطبع لم يعجبهم الرجل وربما كفروه بعدما أمطروه سبابا؛ وذلك لأن الرجل لم ينفِ شعبية الرئيس (المتناقصة)، التي أكد الرجل على تناقصها يوما بعد آخر، ولكن ذلك لا يكفي عندهم ولا يكفيهم تعاطفه صراحة مع ضحايا فض رابعة، ولا كل ذلك طالما أن الرجل لم يصف الرئيس الحالي بالانقلابي، متناسين ومتغابين عن صعوبة الوضع السياسي الحالي الذي تجاسر عليه حمدين، أو الأمر الواقع الذي لا يمكن تغييره في يوم وليلة، ولا حتى منذ سنتين عندما كانوا يصيحون بأن الانقلاب يترنح وهم هاربون في تركيا وقطر! خلاصة الأمر، أن حمدين صباحي لم يكفر بالوطن كما يصمه أبواق النظام من الإعلاميين، ولم يمس الدين كما أراد له الإخوان ولكنه تحدث بشجاعة تحسب له في ظل جو عام خانق، ماتت فيه السياسة ويعلو فيه صوت النفاق فقط للرئيس نفسه، ويدعوه لحوار ومناقشته في كل ما قاله سعيا للخروج من مأزق حقيقي تعيشه البلاد، هكذا يفعل كل رؤساء العالم مع المعارضين بدون تخوين أو تكفير أو حتى لوم.. إن أردنا أن نكون دولة بحق. [email protected]