عمرها بطول تاريخ مصر كله٫ وآثارها الفرعونية تظهر عراقتها, وتحوى بداخلها تجمعاً بشرياً تعداده 18 ألف نسمة، يستقرون حول مقابر آثرية من عهد الأسرة الفرعونية الثالثة, ورغم ذلك مازالت قرية التابوت بمركز ملوى المنيا, محرومة من كل الخدمات وتعتبرها حكومة هشام قنديل, شأنها شأن الحكومات السابقة, مجرد مجرى ينقل المياه إلى أراض زراعية! المشهد العام للقرية سيء للغاية، ولكنه لا يلفت انتباه المسئولين, فالقرية التى تقع على الجانب الأيسر لترعة حرز تسد المخلفات طريقها الرئيسى وهو الطريق الوحيد بها ويوجد على ذات الترعة . عبد التواب سيد عبد التواب -أحد سكان القرية- يقول : نعيش فى المقابر الفرعونية، بعد أن ضاقت بنا الأرض، فالقرية لا توجد بها أى زراعات وعبارة عن مجموعة منازل قديمة من الطوب اللبن، وبها صف كامل من المقابر الفرعونية عددها 500 مقبرة، وجدناها أكثر أمانا من بيوتنا و تحولت بالنسبة لنا من آثار إلى ديار -مختتما كلامه بجملة ساخرة- نصها : إذا كانت المنازل محرومة من المرافق فما الفرق بينها وبين المقابر ؟ . «التابوت » قرية يعمها الجهل، والفقر، واشتكى أهلها كثيراً من انعدام الخدمات ومن ابسط حقوق الإنسان، وهو كوب مياه نظيف، لكن لا حياة لمن تنادى » هكذا قال عزت خلف مدرس 32 سنة من أهالى القرية مؤكدا أن شكاوى وصلت لمحافظ المنيا بعنوان «أهل التابوت يستغيثون» فظن أنها مزحة . حكاية المحافظ مع تلك الشكوى تكشف إلى أى حد يتجاهل مسئولو المحافظة مشاكل قراها، أو حتى اسماءها فالمحافظ أخذ يتحدث فى كل مكان عن مزحة شكوى التابوت دون أن يخجل من جهله بأن التابوت اسم قرية وبأن الشكوى تعكس مأساة أهلها من انعدام الخدمات، وظل المحافظ على ذلك حتى حضر اجتماع للمجلس المحلى لمحافظة المنيا، وقام بذكر المزحة ففاجأه أحد أعضاء مركز ملوى بأنها قرية، فشعر بالخجل الشديد وأحس من حوله أنه صار فى «نص هدومه» . رد المسئولون على شكاوى أهل القرية اسوأ من وقاحة الواقع الذى يعيشونه حيث يقول -محمود حسين 33 سنة عامل زراعى- إنهم يرسلون شكاوى باستمرار ولا يسأل فيهم أحد من المسئولين، وبدلا من تخليص أهلها من آفة التلوث يزيدون حجم التلوث بأفعالهم، مستشهدا على ذلك باعتياد مسئولى الرى ترك المخلفات أمام منازل أهالى القرية، كلما قاموا بتطهير الترعة غير مبالين بأن عليها الطريق الرئيسى، والوحيد للقرية . أهم مشاكل القرية والتى يئس أهلها من امكانية حلها , لخصها عزت خلف فى انها لا يوجد بها أى مدارس، ولا حتى كُتِاب، وأقرب مدرسة لها على بعد 5 كيلو مترات، مؤكدا أنهم اشتكوا لطوب الأرض دون جدوى، قائلا : فى كل مرة نذهب للمسئولين بالشكاوى يقولون لنا إن قرية التابوت موضوعة فى الخطة الخمسينية والله اعلم متى تنتهى هذه الخطة التى يتحدثون عنها منذ سنوات طويلة . فلاح من قرية التابوت يدعى واصف محمد رمضان 30 سنة أكد أنهم يمتنعون عن إرسال أطفالهم للمدارس لأن أقرب مدرسة موجودة فى قرية الشيخ عبادة، وهى بعيدة عنهم حتى أصبحت القرية يعمها الجهل، ولا يوجد بها سوى عدد قليل من المتعلمين . وعن الوضع الصحى تعيش القرية طقوس الماضى التليد فى معالجة الأمراض لعدم وجود وحدة صحية حيث قال ياسر رمضان 43 سنة مدرس إن الشيوخ الكبار هم الذين يعالجون المرضى ويعالجونهم بالطرق القديمة والبدائية، كاستخدامهم لتراب الفرن فى معالجة كل الجروح السطحية، والكى لأى جرح به نزيف دم، وتطهير الجروح بالمياه المغلية بدلا من المطهرات الطبية . ياسر أشار إلى أن مسئولى الصحة والمحليات قرروا بناء وحدة صحية، وشرعوا بالفعل فى بنائها ولكنها لم تكتمل، برغم من مرور اكثر من 15 عاماً, مؤكدا أن الكثير من الأمراض المعدية انتشرت فى القرية , مرجعا ذلك لأسباب عديدة منها اضطرار الاهالى لشرب المياه الجوفية المخلوطة بمياه الصرف الصحى لانعدام مياه الشرب النقية . الحاج على سيد عمران فلاح 60 سنة من أهالى القرية فجر تساؤلا لو فكر فيه المسئولون لتقدموا باستقالاتهم لشعورهم بالعار حيث قال : كيف لدولة فرعونية بها هذا الكم الكبير من الآثار ذات القيمة العالية، يهملها المسئولون ويحرمونها من الخدمات بهذه الطريقة ؟