منطقة سجون طرة "المزرعة والليمان" صار لها هالة كبيرة فى نفسية كل مواطن , بعد حبس رموز نظام مبارك فيها, وقرار نقل مبارك نفسه لها, فقد أصبحت -ولأول مرة فى تاريخ مصر- قبلة للعظة والعبرة بمحاكمة أعزاء صاروا أذلاء.. "فيتو" ومن خلال مغامرة صحفية تضع خريطة تفصيلية لسجون ومنطقة طرة . المنطقة بكاملها تتوسط طريقى كورنيش النيل بالمعادى, والاوتوستراد, ويفصل سجن الليمان عن سجن المزرعة شارع مصر-حلوان الزراعى, وعزبة السجانة, ومترو الأنفاق, وعلى بعد خطوات تقع مقابر أهالى طرة, وفى الطريق الآخر تقع منطقة مصانع شق الثعبان أحد أهم مصادر الدخل لأهالى المنطقة, ولمصر كلها. البداية كانت من أمام محطة مترو انفاق طرة البلد, فالخارج منها يجد نفسه وجها لوجه مع باب جانبى لسور ارتفاعه سبعة امتار, مخصص لزيارة نزلاء سجن ليمان طرة, و مطلي بلون يعكس حال ما بداخله, وهو اللون الاسود, وعلى امتداد سور السجن 8 ابراج للمراقبة بكل برج فرد خدمة أمن مركزى, وبجوار السور سوق عشوائى, وموقف لسيارات التوك توك باعتبارها الوسيلة الوحيدة, للوصول لسجن المزرعة الذى يبعد عن الليمان مسافة 2 كيلو متر. ليمان طرة البوابة الرئيسية لمنطقة سجون ليمان طرة, تقع بشارع مصر حلوان الزراعى فور عبورها ترى على يسارها مكتب مأمورالسجن,وعلى يمينها مكتب مدير مباحث السجن, وتتوسط المكتبان نافورة, وبجوار مكتب المأمور العديد من الخدمات الامنية, والمكاتب الإدارية اى ادارة السجن ومسجد اثرى قديم يطل على كورنيش النيل. خلف بوابة التفتيش المجاورة لمكتب مأمور السجن, يوجد سجن المحكوم عليهم, وعنبر السياسيين, وعنبر التأديب, وعنبر الجنائيين, ويلفت انتباهك العدد الكبير من سيارات الامن المركزى الموجودة بجراج السجن المجاور لإدارة المخازن, والملعب الرياضى الذى شهد حسبما نشر منذ فترة مباراة كرة قدم ترفيهية لرموز« بورتو طرة» . مستشفى الليمان أما مستشفى ليمان طرة فهى ملاصقة لسور السجن, ومساحتها 700 متر, ومكونة من طابقين فقط , الاول مكون من 6 غرف للباطنة, والصدر,والقلب, والاسنان, والإسعافات الاولية ,ومخصص للعيادات الخارجية, والسجناء الجنائيين, والثانى يحتوى على غرف العمليات, والاشعة, والعناية المركزة, ومخصص للسجناء السياسيين. نظرا لايحاءات المكان تسمع موسيقى صداها اشبه بنعيق الغربان إنها الأصوات الصادرة من فرق موسيقى الشرطة, والتى علمنا أنها كانت السبب الاساسى لهجرة معظم سكان ابراج الشرطة الكائنة بالمنطقة المطلة على السجن. عزبة السجانة استكملنا الرحلة من البوابة الرئيسية, حتى وصلنا الى بوابة سجن المزرعة, ورأينا على الجانب الايمن من شارع الشهيد اسامة عواد مبانى, ومحلات تجارية, ومقاهى راكدة تماما, وخالية من الزبائن, ومصابة ب "وقف الحال" والكل يلعن الانفلات بعد الثورة, فضلا عن ان رموز النظام البائد طلباتهم تأتيهم من الفنادق وزائريهم ليسوا من رواد مثل هذه المقاهى. فى المواجهة وجدنا عزبة السجانة التى يخجل سكانها من ذكر اسمها باعتبارها نذير شؤم, لدرجة ان سعر متر ارض المبانى فى المناطق المجاورة رخيص بسببها, ويكمن سر الشؤم فى انها مسقط رأس عشماوى الذى ارتبط اسمه بحبل المشنقة فى تنفيذ الحكم بالإعدام. لعشماوى قصة عرفناها.. ملخصها أن اسمه احمد عشماوى عبد اللطيف عشماوى وكان فى 1907 اول جلاد فى مصر, وكان يعمل بسجن ليمان طرة, وانه اشتهر بلقب عائلته عشماوى الذى صار لقبا لكل من يقوم بتنفيذ حكم الاعدام, والذى ارتبط فى الوعى والوجدان الشعبى ب "خنقة الموت". حقيقة عشماوى سيف الملوك سود -مساعد شرطة من اهالى المنطقة- عصر ذاكرته.. وقال لنا : عشماوى اول الذين امتهنوا مهنة تنفيذ حكم الاعدام فى مصر, وكانت الرحمة اساس عملهم, ولكنها رحمة مغلفة بالقسوة, وكان دورعشماوى يأتى بعد الحكم بالاعدام, ورفض الالتماس وتحديد موعد التنفيذ, فكان المحكوم عليه يرتدى البدلة الحمراء, ويرتدى عشماوى واثنان مساعدان له البدل السوداء, ويضعون الطاقية على رأس المحكوم عليه, بعد وضع الحبل, وإحكامه على الرقبة, وبعدها بلحظات يجذب عشماوى السكين, فتنفتح الطبلية, فتنكسر الرقبة ويتدلى الجسد ساقطا على الارض, وكل ذلك لضمان موته, لأن الكرة فى هذا الامر الجلل لا تعاد مرتين. كاشفا عن سر آخر اوضح "سيف الملوك" ان اصل تسمية المنطقة بعزبة السجانة جاء كنتيجة طبيعية لعمل سكانها بمنطقة السجون, واستخدام الاستعمار الانجليزى لها كمعتقل للعاملين بالسجن, حيث كان لا يخرج احد منهم منها الا بإذن مسبق مشيرا الى ان تصميم العزبة مطابق تماما لتصميم السجن من الداخل, فهى كانت عبارة عن بوابة خشبية كبيرة ومبانيها من الصفيح, والصاج, ومع تطور العمران تحول الصاج , الى منازل حديثة على النحو الموجود الآن... سيف الملوك اشار لنا نحو منزل اول عشماوى فى تاريخ مصر, فالتقطنا له صورا نادرة , واثناء التقاطها قال لنا صاحب هذا المنزل كان قوى البنيان والشخصية, وسريع البديهة, وكان مؤمنا برسالته. غرفة الإعدام طولها 10 امتار, وعرضها 5 امتار, ويتوسطها طبلية خشبية, اسفلها بئر عمقه 4 امتار ,بها سلم حديدى , ويعلوها حديد على ارتفاع 2 متر, لربط الحبل فيه, وهى عبارة عن ضلفتين يقف عليهما المحكوم عليه, وتفتحان بواسطة ذراع حديدية موجودة بجانبها الايمن يقوم عشماوى بسحبها بمجرد سماعه الامر من رئيس لجنة تنفيذ الحكم, هكذا وصف لنا غرفة الاعدام حاجى جاد محمد -أكبر معمر فى عزبة السجانة- مؤكدا أن معظم عمليات الإعدام كانت تنفذ فى السجون الكبيرة بالقاهرة,مشيرا إلي أن العمل داخل السجن يبدأ من السابعة صباحا, وفى الثانية ظهرا يتم توزيع الاعمال على الحراسة, وسجن المزرعة كان من اكبر السجون إنتاجا للالبان والطيور وكان يستخدم للاحكام الخفيفة. اقتحام السجن.. مستحيل! الحاج عبد المعطى -مدرب خيالة- خرج على المعاش, ولكنه يعشق الحصان اكثر من ابنائه قال : صبرت على البلاء, حتى تغير القانون, واصبحت الخيول تباع بالمزاد العلنى, بدلا من إعدامها رميا بالرصاص. مفتخرا بأن الحصانين مروان وسيفار كانا لا يأكلان إلا من بيده ولا ينامان إلا بعد رؤيته قال : مستحيل اقتحام سجن المزرعة لوجود فرق تأمين على اعلى مستوى, وخيالة شرطة, وقناصة على ابراج مرئية وغير مرئية, مؤكدا ان اهالى عزبة السجانة دروع بشرية لحمايته من اى اقتحام. قبل مغادرة العزبة طلب منا الاهالى ان نلقى نظرة على جبل طرة, فهو مهدد بالانهيار على الف اسرة, تقدمت بشكاوى لمحافظتى القاهرة وحلوان, ولكن لا حياة لمن تنادى برغم الشقوق والشروخ التى اصابت جدران منازلهم, بسبب رشح مياه الصرف الصحى, والمياه الجوفية على الصخور الطفلية المكونة لهضبة الجبل . كالتواق لقارب ينقذه من الغرق قال سالم علام العمدة :إن صخور كبيرة من الجبل تساقطت وشعرنا جميعا بالفزع من انهيار المنازل على رءوسنا, واعلمنا كل الجهات التنفيذية ولم يحرك احد ساكنا حتى الآن فأل سيئ المثير فى حديث العمدة انه وصف وجود رموز النظام السابق فى طرة بأنه فأل سيئ على سكان المنطقة, لأن الكبار يقومون بزيارتهم عن طريق الجبل بعيدا عن تجمعات الاهالى, وبهدف إخفاء سياراتهم بعيدا عن اعين الناس وهو ما ينذر بسقوط الجبل على رءوسهم. فى ذات السياق وبتوضيح اكثر قال المهندس حسين بيومى -من اهالى المنطقة : المشكلة تعود لعام 2000 عندما سقطت صخور من الجبل ايام الرئيس المخلوع, وجاءت لجنة جيولوجية, اوصت بتنكيس الجبل بحزام خرسانى ولم يتم عمل شيء الى الآن بيومى اكد ان المياه الجوفية ومياه الصرف الصحى انتشرت بشكل اكبر فى العام الماضى, ما يهدد بانهيار الجبل والذى تستخدمه الدوريات الامنية والشرطة العسكرية أحد طرقه لتأمين رموز بورتو طرة اثناء المحاكمات, فضلا عن زيارات السياسيين والحقوقيين للمكان محذرا من امكانية اعلان اهالى المنطقة لحالة العصيان فى اى وقت بسبب الهلع من كارثة احتمال انهيار الجبل على رءوس الجميع خروج آمن خرجنا بأمان من اسفل جبل طرة, وحمدنا الله على ذلك.. واخذنا الطريق المؤدى لسجن المزرعة, فرأينا نادى دجلة سبورت المخصص لضباط الشرطة المجاور لقسم المخازن العمومية, وادارة الحماية المدنية, ومنفذ بيع الخبز لاهالى المنطقة, وقطاع الأمن المركزى "قطاع الشهيد رفعت عاشور " ومديرية امن حلوان. قبل الوصول لسجن المزرعة استوقفنا مبنى امن الدولة الجديد الذى كان حبيب العادلى وحسن عبد الرحمن رئيس الجهاز قبل حله قد شرعا فى بنائه, وهما لا يعرفان بأنهما سيكونان فى يوم ما سجناء على مقربة منه. سجن المزرعة انتهى بنا المطاف الى البوابة الرئيسية للسجن, والواقعة على بعد امتار من تقاطع طريق الاتوستراد مع شارع الشهيد أسامة عواد, وهناك وجدنا امامها اسطولا كبيرا من التوك توك, وسيارتي بوكس للتأمين ,وبمجرد الدخول من البوابة يرى الزائر 5 غرف صغيرة للحراسة, وجنود امن, وكلاب بوليسية, لزوم التأمين ولحساسية المكان. اول السجون هو سجن عنبر المزرعة المجاور لسجن المزرعة العمومى, وهو سجن خاص بالمساجين قيد التحقيق والمحكوم عليهم, وأمامهما عنابر المساجين الجنائيين, فضلا عن سجن العقرب شديد الحراسة, والمجاور لمقابر اهالى طرة. تأمين سجن المزرعة -وكما رأينا- عصى على الاختراق, فقوات الجيش تتمركز على مائة متر من البوابة الرئيسية, حيث توجد مدرعة عسكرية, وامام كل بوابة سجن لسجون المزرعة , تقف دبابة مستعدة لعمل الواجب وملتزمة بالشرف العسكرى, بالإضافة لدوريات مرورية كل ساعة لتأمينه من الداخل, واجهزة لكشف المتفجرات, وكاميرات مراقبة فى شتى انحاء السجن. فى المنتصف يوجد مستشفى سجن المزرعة مابين سجن المزرعة العمومى وعنبر التحقيق وتم انشاؤه عام 1941 فى عهد الاحتلال الانجليزي, والاستقلال الاسمى لمصر, وشاء القدر أن يتم آخر تجديد له فى عام 2005 تحت رئاسة المخلوع ووزير داخليته السفاح حبيب العادلى بمنطق الاتهام لا الإحكام . غرفة المخلوع المستشفى الذى سيستقبل مبارك يتكون من غرفتين كبيرتين, لاستقبال المرضى, يتوسطهما ممر, به غرفة صغيرة جدا, تستخدم كصيدلية, وغرفة أخرى للرعاية الطبية العادية, وإجراء الكشوفات الطبية, وانتهت إدارة السجن من جميع التشطيبات لاستقبال الرئيس المخلوع فيه. الادارة وحتى مثول الجريدة للطبع انتهت من اعمال الدهانات وتركيب البوابة الحديدية الالكترونية الخاصة بغرفة الرئيس المخلوع وجارى توصيل جميع الاجهزة الطبية بمولدات الكهرباء انتظارا للتقرير النهائى الذى يعده الوفد الطبى برئاسة الدكتور ياسر عبد القادر -استاذ الأورام بالمعهد القومى للأورام- ووفد اطباء وزارة الصحة, ومستشفى القوات المسلحة للمعاينة الاخيرة قبل نقل مبارك اليه. موته راحة ردود افعال اهالى طرة حول إيداع مبارك بمستشفى السجن, كانت متباينة عندما رصدناها بانفسنا, فالبعض اعتبره نقمة كبيرة, بسبب التواجد الامنى المكثف, والاستعدادات لتأمين السجن من خطر اقتحامه فى اى لحظة , والبعض الآخر يرى ان وفاة مبارك بقضاء الله وقدره فيها راحة للجميع . مراد ابو عبد الله -من اهالى المنطقة- وصف الامر بالكارثة معربا عن خوفه الشديد من هجوم الحركات السياسية والثورية على السجن, للفتك بمبارك ونجليه ورموز نظامه, وفى حالة حدوث ذلك سيعم الخراب على طرة كلها. هاجس الخوف دفع شخصا يدعى احمد ابراهيم وبحسب قوله لنا للقيام بتوصيل التيار الكهربائى لباب منزله تحسبا لأى هجوم مباغت وكإجراء احترازى للدفاع عن النفس وقت الضرورة . خاصية فريدة تتسم بها مقابر اهالى طرة المجاورة لسجن العقرب شديد الحراسة, وهى انها الوحيدة على مستوى الجمهورية التى لايسمح بزيارتها, أو الدفن فيها بدون إذن مسبق من مصلحة السجون, وهو ما اكده لنا الاهالى . سيد جلال -من اهالى المنطقة- قال إن ادارة السجن لا تسمح بزيارة المقابر الا اربع ساعات فقط كل يوم جمعة, مؤكدا انهم يعانون الامرين فى عمليات الدفن, ويتنظرون بالساعات لحين وصول الموافقة مصحوبة بتعزيزات أمنية, وفرق خيالة, وكلاب بوليسية لمرافقة المتوفى واهله الى المقابر. عذاب الموتى غاضبا مما اسماه ب "عذاب الدفن" طالب احمد صالح وهو من اهالى المنطقة بفصل المقابر عن مصلحة السجون لكونها ملكية خاصة للاهالى مشيرا الى تذمر أهالى طرة من تعطيل الدفن,والحراسات الأمنية التى تصاحب الجنازات, محذرا من إمكانية حدوث كارثة.