عبادة المرقوشي وقد سقط كأس الشاي الساخن من يده من هول المفاجأة ولم يكن بعد قد ارتشف منه سوى رشفتين أو ثلاث: يا خبر أسود من قرن الخروب !! بتقول مين يا واد يا شحاتة ؟! أحمد أبو خليل بلدياتنا دا أبوه راجل مسكين واخواته كلهم على فيض الكريم.. يا عيني يا بني هي كده الدنيا ما بتجيش غير ع الغلبان الحقوني يا بلد.. غيتوني يا خلق هوووه.... يجتمع كل من بالمقهى ويتحلقون حول عبادة المرقوشي وشحاتة على الله الذي كان يقرأ له الجريدة منذ قليل، فيأمر عبادة شحاتة بإعادة الخبر الذي قرأه له منذ برهة وأن يتلوه كاملا على مسامع الموجودين.. يقرأ شحاتة الجريدة بصوت عالٍ دامع العين مختنق الصوت فقد كان الفقيد من أعز أصدقائه: "قال مصدر أمني بشمال سيناء، إن أحد الجنود لقي مصرعه، إثر تعذيبه من قبل ضابط أمن مركزى بمعسكر قوات أمن العريش، وأشار المصدر إلى أنه وصل إلى مستشفى العريش المجند "أحمد خليل" 20 سنة، من مركز أبو حماد بالشرقية جثة هامدة، وتبين من التحقيقات أنه توفى متأثرًا بشدة الضرب الذي تلقاه من ضابط بالأمن المركزى بالمعسكر برتبة نقيب يدعى "محمد.ح.ع". وأوضحت مصادر مطلعة أن حالة غضب تسود بين المجندين، الذين أكدوا أن المجند كان في حالة مرض وإعياء شديدة بعد عودته من إجازته، وأن الضابط أجبره على الوقوف في طابور الصباح، وعندما تحجج بمرضه أمر الضابط بإحضار عصا من شجرة، وقام بضرب المجند ضربا مبرحا حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، وقد أفاد الضابط في التحقيقات أن المجند سقط أرضًا نتيجة إعيائه الشديد، فيما أكد زملاؤه أنه تعرض للضرب من قبل الضابط حتى الموت ونقل للمستشفى جثة هامدة". كريم الشرقاوي ضاربا كفا بكف: حسبنا الله ونعم الوكيل الله يرحمك يا أحمد يابو خليل ويصبر أهلك المسكين ده كان حيلاقيها منين ولا منين يا عالم !!.. من الفقر ولا غدر الإرهاب ولا الضابط المسئول عنه.. آه يا بلد بتاكل ولادها من غير رحمة !! محفوظ أفندي موظف الجمعية الزراعية محتدا: يجب إعدام هذا النقيب الذي عذب أبو خليل حتى الموت وهو يعلم أنه مريض، وهذا المجند لا يقل أهمية عن الضابط يا جماعة، كما يجب محاسبة أي ضابط يقوم بالتجاوزات مع المجندين لأنهم أولاد ناس بسطاء من عامة الشعب، وذلك حتى يشعر الجندى بالأمان وليكون عنده انتماء لبلده لأنه يقدم روحه فداء لمصر، أما الضباط فالموضوع بالنسبة لأغلبيتهم للأسف ما هو إلا عمل ووظيفة لا أكثر.. الشيخ حسونة مؤذن الجامع مسترجعًا: اظلم كما شئت.. حتى إذا خرجت منها أيّها الضابط بسلام فاعلم أنه سلام الدنيا فقط وأن الآخرة قاضيها رب العالمين يعلم السر وأخفى.. أسأل الله أن ينتقم منه في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه.. قولوا ورائي اللهم آمين – الجميع في نفس واحد – آآآآمين.. جيكا الثورجي مستثيرا الجميع: بقول لكم إيه.. عدل ربنا يا إخوانا إن كلنا كده برابطة المعلم إحنا وأهل المرحوم أبو خليل الغلبان نقوم متربصين للضابط المجرم ده ونصطاده وننزل ضرب فيه حتى الموت هو كمان.. علشان أهل الضابط يعرفوا إن الضنا غالي ويفهموا إن مش عشان ابنهم ضابط فدا يديلو الحق يدوس على رقاب الخلق بجزمته ويموتهم زي ما هو عايز ولا إيه يا جماعة.. وحسبى الله في كل واحد يستغل وظيفته سواء في الشرطة أو في القضاء وغيرها لظلم الناس وعذاب الخلق.. عبد الحق محامي القرية محتكمًا إلى العقل: أرجوكم يا حبايبنا.. ماحدش يفتي دون علم لأن الجنود والضباط زيهم زي بقية الخلق فيهم الكويس والوحش والانتقام العشوائي من الضباط حرام، فانتظروا واعلموا أن الله لا يقبل الظلم سواء للجندي أو للضابط والحق هو غاية الجميع والبلد فيها قانون والصبر طيب وإن الله مع الصابرين إذا صبروا. يستمع أهالي القرية إلى نداء العقل ويتركون القانون ليأخذ مجراه.. وفي يوم النطق بالحكم في قضية أبو خليل التي أصبحت قضية رأي عام يصعق أهالي القرية بمنظر المحامي عبد الحق وقد دخل عليهم المقهى ممتعق الوجه منكس الرأس يبرطم بكلام غير مفهوم، وبعد أن تركوه ليستريح ويلتقط أنفاسه المتهدجة كاد أن يطير عقلهم عندما أفادهم في القضية بقوله: للأسف يا جماعة خسرنا القضية بعد أن وكل أهل الضابط المتهم المحامي الشهير "شديد التعلب" الذي استطاع أن يقنع المحكمة أن الضابط عندما رأى المجند يتمارض في طابور الصباح أمر بقطع فرع شجرة كبيرة بأوراقها ليزغزغه بها فوق ظهره وتحت إبطه حتى يعود إلى صحته وقوته ويكمل طابوره الصباحي بمنتهى النشاط، إلا أن فرع الشجرة انفلت من يده كأنما مسه شيطان مريد ونزل ضربا وطحنا في المجند المتماوت إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة، ليتضح بعد ذلك أن الضابط يعرف يشغل العصايا لكنه "ما بيعرفش يوقفها"، ولما همت المحكمة بتغريم الضابط بسبب إهماله وعدم معرفته بطريقة استعمال العصيان، إذا بالمحامي الماكر يخرج من جعبته العامرة للهيئة الموقرة تقرير الطبيب الشرعي الذي أفاد أن سبب الوفاة إنما كان ناتجًا عن هبوط حاد في الدورة الدموية لتضطر المحكمة وفقا للورق الذي أمامها أن تحكم بالبراءة وإعادة الضابط البريء المظلوم مرة أخرى على رأس عمله شريطة أن يذاكر جيدًا في المستقبل كتالوج العصيان قبل الاستعمال !!!