في يوم من الأيام كانت هناك جمهورية اسمها جمهورية مصر العربية، هذه الجمهورية كانت تحمل حضارة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ، ثم حدث أن قامت فيها ثورة على حاكمها الظالم المستبد، فإذا بشعبها بعد أن تخلص من الحاكم المستبد ينتخب رئيسا أكثر استبدادا وغشومية وظلما فضلا عن الجهالة التي يعيش فيها هو وجماعته المسماة «جماعة الإخوان» وبعد أن تحكم الرئيس في البلاد وسلمها مكبلة لجماعة الإخوان ترسف في الأغلال قامت هذه الجماعة بتغيير اسم البلاد إلى جمهورية «مساجونيا المتحدة» وهي إحدى الجمهوريات القابعة في قاع قارة أطلنتك الغارقة التي تضم دول العالم الرابع، ولأن لكل شيء قدرا، وكان من قدري أن أكون أحد أفراد هذا الشعب، ليس هذا فحسب ولكنني في غفلة من الإخوان أصبحت «شيخ حارة درب المهابيل» والقائم على أمرها، ففى صباح أحد الأيام جاء لنا في الحارة الشاويش «أحمد ثروت» والذي سيصبح في وقت قريب وزيرا لداخلية الرئيس الإخواني، وزف لنا هذا الشاويش خبرا سعيدا هو أن جلالة الرئيس أصدر قرارا فوقيا بتعيين فخامة ابنه «عمر» في وظيفة من الوظائف العليا في مطار البلاد، وطلب الشاويش من أهل الحارة إثبات ولائهم للرئيس والذهاب في زفة شعبية إلى أعتاب القصرالجمهوري لتهنئتة الرئيس على تلك الوظيفة المعتبرة لابنه. وكان أن ذهبت ومعي مجموعة من أهل الحارة لجلالة الرئيس المفدى، وتم اختيار مجموعة من الشعب لتدخل إلى زعيمنا كي تزجى التهانى له، ولأنني أنا أبو يكح الجوسقى شيخ حارة درب المهابيل فقد كنت على رأس الداخلين، وقبل أن ندخل طلب منا الشاويش «أحمد ثروت» أن نرفه عن الرئيس ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، فالأخبار قد تواترت على ثورة على وشك الوقوع في البلاد ، الشعب في مجاعة ، والأمن في اضطراب، والأحوال لا تسر حبيبا، وتفرح قلوب الأعادي، فكان أن دخلنا على الرئيس ونحن نرقص بلدي ويصاحبنا الطبل والزمر، ومن حسن الحظ كان معنا «الواد حجازى» قرداتي الحارة وكان معه قرده ميمون . أخذ حجازي القرداتي يلاعب القرد ويطلب منه أن يقوم بعمل حركات «نوم العازب» ورضاعة الطفل الوليد بعد تنظيف حلمة الثدي، وأثار القرد دهشتنا عندما أخذ يقلد كلا من «البلتاجى والعريان والشاطر وبديع» . حدث كل هذا والرئيس لا تند عنه ولو ابتسامة مبتسرة، وأدركت في قرارة نفسي أن الأحداث التي تمر بها البلاد أثارت قلق الرئيس، وهنا همس الشاويش في أذني طالبا أن أصرف أهل الحارة وأن أنفرد بالرئيس لعلي أخرجه من حالة الاكتئاب المزمن التي يعيش فيها، وعلى الفور أخرجت أهل درب المهابيل من القصر وانفردت بالرئيس في واقعة تاريخية لا تتكرر . وبعد أن هدأ المكان أخذ الزعيم المفدى والقائد الحكيم رئيس جمهورية مساجونيا مصر سابقا يجوب حجرات وأروقة قصره في قلق واضطراب وأنا أسير خلفه كظله، قال بصوت مرتفع وكأنه يحدثني: لم تخرج التظاهرات فقط من العاصمة ولكنها خرجت كلهب النار من كل الأقاليم، ما أشبه الليلة بالبارحة .. ثم تلفت الرئيس بقلق واستمر قائلا : بالأمس كانت ثورة ضد الرئيس المخلوع بعد أن ثار عليه الشعب مالك أيتها الشعوب المنكودة لماذا تثورين على حكامك ؟ وما الذي ستفعلينه بعد خلع الرئيس؟ هل ستستبدلينه برئيس آخر؟! تُرى هل سيفعل شعبي بي مثلما فعل بالرئيس السابق، هل أخرج هذه التظاهرات الخونةُ والعملاء كما قال لي مرشد الجماعة الذي لم يكذب عليَّ قط، آه وآه ، يا لك من شعوب ناكرة للجميل .. احمَّرَ وجه الرئيس من التوتر والقلق، واخضَّر شعرُه من الصبغة بعد أن اختلطت عليه الألوان بسبب التوتر ثم أخذ بصوته المرتفع يتذكر أياما مضت ويا لها من أيام: لقد توليت الحكم بعد ثورة كبيرة في البلاد، نعم ساعدني الأمريكان للوصول للحكم، ولكنني أصبحت الرئيس، ومن بعدها أخذت أحول البلاد إلى شعبة من شّعب الإخوان، أخونت البلد، وأخونت الوظائف وسعيت لأخونة الأفكار، أمرت بقتل المتظاهرين، حاصرت القضاء، حاربت الإعلام وقدمت لجماعتي الكثير والكثير، صحيح أنني قدمت لنفسي أيضا حتى أصبحت واحدا من كبار أغنياء العالم، صحيح أنني كممت الأفواه وفقأت الأعين وأودعت المعارضين لي في السجون وقطعت لسان المعترضين .. وصحيح أيضا أن أعواني قاموا بتلفيق القضايا الجنائية والسياسية والأخلاقية لمن لم يقدم لي فروض الولاء والطاعة كرئيس ملهم، إلا أن هذا كله كان من لزوميات الحكم وضرورات السياسة، لاغنى عنه أبداً خاصة مع تلك الشعوب التي لا تحمد الله على رئيس لديهم .. ولكن بالرغم من كل هذا فإن التاريخ لن ينسى تلك الخدمات الجليلة والثقيلة التي قدمتها لشعبي الكنود والتي تنوء بحملها البلاد حتى أن كتف الشعب مال وانحنى من تدفقها .... أطرق الرئيس وهو يحاورني وكأنه يحدث نفسه: : هل تذكر يوم أن قمت بافتتاح الكوبري العلوي الذي انهار بعد ذلك ويوم أن افتتحت مصنعا تم افتتاحه من قبل خمس مرات في عهد الرئيس المخلوع، صحيح أن يوم زيارتي للمحافظة التي فيها المصنع حدثت حرائق وكوارث، ولكنها أشياء طبيعية لا شأن لي بها، في يوم افتتاح هذا المصنع تذكرت السبب الرئيسي الذي جعلني أتحول من عضو لا قيمة له في جماعة الإخوان المحظورة إلى رئيس دانت له البلاد بشرقها وغربها .. في ذلك اليوم بعد أن قامت الثورة كان قد تقرر أن يزور البلاد المندوب السامي الأمريكي «جون ماكين» و كنت أنا أحد أعضاء الجماعة الذين تم اختيارهم ليكونوا في شرف الاستقبال .. تذكّرت ما قلته يومها لنفسي وأنا أحاورها : يا لها من صدفة قدرية لا تتكرر .. استطرد وهو يقول لنفسه متذكرا الماضي البعيد: اصطف أعضاء الإخوان في طابور الشرف يحملون بنادقهم في جدية وثبات وانتظام، ومر علينا « جون ماكين» يستعرض قيادات الجماعة لينظر من منهم يصلح لحكم البلاد، ثم فجأة توقف أمامي وقال للأخ الذي بجواري : ما اسمك ؟ . رد الأخ: اسمي «زفت الخائب» يا فندم . فقال جون ماكين: وما تلك التي في يمينك يا زفت ؟ . قال الزفت : هي بندقيتي . فقال ماكين له: خطأ .. لا تقل هذه بندقيتي، ولكن قل هذه زوجتي وعِرضي . ثم التفت الرئيس لي وأشار إلى بندقيتي قائلا : وما تلك التي في يمينك يا أبو الأمراس ... وقتها كنت قد تعلمت الدرس فقلت له بثبات وذكاء مفرط : زوجة الأخ «زفت الخائب» يا فندم . كانت إجابة مسكتة .. يا لها من ذكريات هكذا قال الرئيس لنفسه وهو يتذكر دهشة الجميع من إجابته إلا أن هذه الإجابة نقلتني على الفور من موقعي كقيادي في جماعة الإخوان لا قيمة له إلى رئيس عبقري قلما تجود به البلاد .. والآن وبعد هذه الشهور التي قضيتها في الحكم إذا بمن يهمس في الفيس بوك وتويتر وفي الصحف المغرضة والقنوات الفضائية الفلولية قائلا إن شعبي من الممكن أن يثور ويخلعني مثلما فعل مع الرئيس المخلوع السابق !!. قال الرئيس لنفسه بصوت مرتفع: ولكن كل من حولي يقولون لي إن الثورة لا يمكن أن تقترب من حياض قصري، يقولون إن أهل بلدي يحبونني ويعشقون التراب الذي أسيرعليه ويعرفون أنني أعظم الحكام على وجه الأرض قاطبة وأن الله لم يخلق من قبل زعيما في حكمتي وعبقريتي فضلا عن قوة أمني الرئاسي وأمن وزارة الداخلية وأمن جماعة الإخوان، وهاهي المليونيات تخرج لتأييدي من جماعتي الحبيبة، ولكن تُرى هل الذين من حولي ينافقونني !! ربما ... لم يراودني هذا الإحساس من قبل فأنا أعرف بيقين أنني زعيم ملهم لا يقترب مني الخطأ ولكنني بالرغم من ذلك أشعر أن الكل يبالغون في نفاقي وأنهم يقولون ما لا يبطنون .. ترى ألا يشعرون بعظمتي !! ألا يدركون عبقريتي !! أين جيفارا من جهادي ؟ وأين غاندي من حكمتي ؟ يبدو أن جميع من حولي بلهاء لا يدركون قيمتي الحقيقية !! . التفت لي الرئيس قائلا : قل لي يا أبا يكح الجوسقي، إن الحق أبلج والباطل لجلج، فقل الحق الذي تعرفه عني . وعلى الفور قلت له : يا سيدي الرئيس يظهر لي من تحت الرمل ومما أخبرتني به النجوم أنك أعظم رؤساء العالم قاطبة بل وأشجع من الأنبياء والرسل ومستحيل أن يثورعليك شعبك . قال الرئيس : لكل شيء أمارة فما أمارة قولك خاصة والتظاهرات تجتاح البلاد ؟. قلت : فلتنظر إلى رؤساء دول العالم .. كان الدلاي لاما ملك التبت إلهها يخاف من الصين وأنت لا تخاف من الصين إذن فأنت أعظم من الدلاي لاما .. وكان الملك فاروق يخاف من إنجلترا وأنت لا تخاف من إنجلترا إذا فأنت أعظم من الملك فاروق .. وكان جمال عبدالناصر يخاف من السكر وتصلب الشرايين وأنت لا تخاف من الأمراض لأنك لا تمرض فأنت أعظم من عبد الناصر ... وكان السادات يخاف من أمريكا وأنت لا تخاف من أمريكا لأنك تعمل عندهم فأنت إذن أعظم منهما، وهنا قاطعني الرئيس قائلا : فهمت فهمت ولكن قل لي كيف أنا أشجع من الأنبياء والرسل قلت على الفور: هذا أكيد أنت أشجع منهم جميعا لأنهم يخافون الله وأنت لا تخافه !! .