(وما أن بدأ أبو العربى فى التذكر. وأطفأ نور الحجرة حتى أضاءها على الفور ضوء التليفون المحمول، وظهرت نمرة الحاجة مصر التى تطلب أبو العربى. فى تلك اللحظة الحاسمة لتصرخ وتستغيث بأبو العربى من فأر كبير دخل إلى حجرة نومها وحبسها فوق سريرها، ولم يجد أبو العربى بُدًّا من الهرع إلى بيت أمه. ويظل حتى الصباح فى مطاردة الفأر، وكان خصاما كبيرا بين أم العربى وأبو العربى، الذى ذهب إلى المقهى يفكر فى ما وصلت إليه حالته المزرية. وقد بدأ يقتنع بفكرة أم العربى فى تزويج الحاجة مصر. وكأن القدر.. كان يضع أذنه على قلب أبو العربى الذى فوجئ بسيارة ضخمة سوداء غريبة تقف أمام المقهى. وينزل منها شيخ ملتحٍ مرتديا ملابس خليجية. ويجلس على المقعد بجوار أبو العربى وهو يعبث بسبحته ويبتسم لأبو العربى ويحييه) السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قشطه ياذوق.. إنت تعرفنى؟ أعرفك من وانت بشورت. شورت إيه وبارباتوص إيه يا راجل انت؟ انت مين؟ اكشف عن شخصيتك. مش فاكرنى يا أبو العربى؟ أنا ماعدتش فاكر حاجة اليومين دول، كل حاجة فاكرها طشاش. مش هحيرك كتير، أخوك فى الله أبو حذيفة. أخوك فى الوطن أبو العربى، وعمرى ما سمعت عن عيلة حذيفة دى، وقلبى مش مرتاحلك يا جدع انت بصراحة، انت مين وعايز إيه بالظبط؟ (وعرف أبو العربى حكاية الحاج محمود الذى أصبح «أبو حذيفة» بعدما سافر إلى الخليج وأقام به منذ سنوات بعيدة. بعدما كسرت الحاجة مصر قلبه وفضّلت عليه منافسه صول الجيش الذى تزوجته، فهاجر إلى الخليج. وقد عاد أخيرا ليقضى ما تبقى من عمره فى وطنه. وعرف أن حبيبته القديمة قد ترملت، فأعلن لأبو العربى رغبته فى الزواج من الحاجة مصر، ليقضيا سويا ما تبقى لهما من العمر. وتم الأمر بسرعة مدهشة. وتزوجت الحاجة مصر بالحاج أبو حذيفة. وصمت تليفون أبو العربى المحمول على غير العادة لأول مرة صمتا مريبا أقلق أبو العربى الذى لم يعد يرى نمرة مصر على شاشة التليفون. فقرر أبو العربى أن يزور أمه ليطمئن عليها، وحدث ما لم يكن فى الحسبان. وعاد أبو العربى إلى بيته، وهو يكاد يجن ويكلم نفسه وهو غاضبا غضبا شديدا. فسألته أم العربى بدهشة) مالك يا أبو العربى؟ إيه اللى حصل؟ مصر باعتنى يا أم العربى. باعتك إزاى يا راجل؟ روحت أزورها لقيت جوزها عقّمها. عقمها إزاى؟ لبسها البتاع ده النقاب. مش كده وبس! ده منعها تقابلنى! يخيبه راجل، ومنعها تقابلك ليه؟ بيقول علىّ أجنبى، أنا أجنبى يا أم العربى؟ أجنبى إزاى وانت ابن بطنها! يا ريت على كده وبس! حصل إيه تانى؟ غير اسمها. غير اسم مين؟ مصر. وسماها إيه يا أبو العربى؟ خولة بنت جحش. (أم العربى تخبط صدرها وتهتف مستنكرة) جحش..!! (انطلقت من أم العربى ضحكتها المدوية المجلجلة التى لم تسمعها الحارة منذ سنوات، وشقت سكون الليل. ووصلت إلى الجيران، فجاء صوت من الحارة هاتفا) قشطه يا أبو العربى.