عشية انتخابات المرحلة الأولى، حين أدركنا جميعا -فجأة- أن لدينا انتخابات فى اليوم التالى، وكف الموضوع عن أن يكون سؤالا نظريا وتجلت حقيقته البسيطة: وهو أننا سنرتدى ملابسنا فى الصباح ونتوجه إلى لجنة انتخابية ونعلم بالقلم أمام اسم شخص، أفاق كثير منا على الحقيقة التى كنا نتجنبها، وهى: من أنتخب؟ يتكرر هذا السؤال اليوم. بعد أن نفرغ من الهلع الخاص بأثر نتائج المرحلة الأولى على مستقبل مصر، ومن الإحباط على تشكيل حكومة القدامى، ومن الأسى على تشكيل المجلس الاستشارى ومن دخله ومن قاطعه، ومن مناقشات دور البرلمان (الذى لم يتشكل بعد) فى العملية الدستورية والتشريعية، سنفيق على أن لدينا انتخابات فى الصباح، وعلينا أن نذهب إلى الصناديق ونضع علامة أمام اسم مرشح، ومن ثم سيعود السؤال: من أنتخب فى دائرة كذا؟ هل تعرف مرشحا جيدا فى دائرة كذا؟ والسؤال مضحك مبكى، لأن الناس عادة ما تذهب إلى الانتخابات بعد حملة يتقاتل فيها المرشحون على التعريف بأنفسهم، وهم عادة أسماء عرفها الناس وخبروها، أو أحزاب ينتمى لها الناس أو يناصبونها العداء. أما نحن، فقد تم دفعنا فى انتخابات شديدة التبكير، قبل أن يستعد المرشحون أو تتبلور الأحزاب وتتضح معالمها لنفسها وأعضائها، فما بالك بالجمهور. ولكن ربنا يسامح من كان السبب، أو لا يسامحه. المهم أننا هنا. هناك طبعا من لا يسأل، لأنه جاهز ومنظم ومتربص ويعرف زملاءه فى التنظيم وينتظر. لكن هذا ليس حال أغلبية الشعب التى تسأل فى حيرة: أنتخب من؟ والإجابة التى لدىّ ليست دقيقة مئة فى المئة، ولكنها بسيطة وعملية وأدعى أنها تصلح دليلا جيدا للناخب المحتار: أيها الناخب المحتار هناك ثلاث كتل تتنافس على صوتك: الكتلة الإسلامية، الكتلة الديمقراطية، وكتلة الفلول. إن كنت راضيا عن الأحوال فى مصر قبل ثورة يناير وتريد للمستقبل أن يشبه الماضى، وترى أن الرئيس السابق مبارك تعرض للظلم والجحود، وأن هذه الثورة مؤامرة لإسقاط الدولة المصرية وإخضاعها لأمريكا أو إيران أو قطر، فعليك بالفلول والأحزاب القديمة ولا تدع أحدا يضايقك أو يفت من عزمك. وإن كنت تريد لمصر المستقبل أن تشبه أيا من الدول التى يحكمها الإسلاميون، سواء كانت إيران أو باكستان أو أفغانستان أو السودان أو الصومال أو قطاع غزة، وتريد لعلماء الدين أن يكونوا أيضا قادة الدولة، وأن نحكم الشرع فى شؤوننا العامة بما فى ذلك المتعلقة بالاقتصاد أو بالسياسة، فعليك بقائمة ومرشحى الأحزاب الإسلامية الثلاثة «النور، الحرية والعدالة، أو الوسط». وإن كنت ترى أن ثورة يناير وأهدافها هى أفضل ما حدث لمصر خلال العقود الأخيرة، وتريد لأهداف هذه الثورة أن تتحقق بجد، وأن تكون مصر المستقبل قائمة على حرية الفرد والجماعات، وأن نبنى دولة حديثة تصبح جزءا من العالم المعاصر، وأن تركز الدولة نشاطها وجهدها على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية واحترام حقوق الإنسان، فعليك بقائمة ومرشحى الكتلة المصرية وحلفائها. أيها الناخب المحتار، لا تنزعج من كثرة أسماء الأحزاب والمرشحين، ففى النهاية الأمر بسيط وواضح. كيف تريد لمصر المستقبل أن تكون؟ ماذا تريد لها أن تشبه؟ أو -لتوضيح الأمر أكثر- كيف تريد لأولادك أن يكونوا؟ هل تريد لابنك وبنتك أن يشبها ممثل الفلول وأن يعيشا على الرشوة والفساد والتملق؟ هل تريد لابنك أن يرتدى الجلباب ويطلق اللحية، ولابنتك أن تنتقب وأن يعيشا على تعاليم السلف؟ هل تريد لابنك وابنتك أن يشبها هؤلاء الشباب الذين تراهم فى ميدان التحرير فى أثناء المظاهرات والاعتصامات منذ يناير؟ ثلاثة نماذج مختلفة لمصر ولأولادك، فاعط صوتك للنموذج الذى تحبه لأبنائك ولا تهتم بما يقوله الناس.