رغم اعتراض الجميع، صمم المجلس العسكرى على فرض حكومة قدماء المصريين علينا، فما العمل؟ هل نترك لها الجمل بما حمل ونركز على الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة؟ أم نركز جهدنا فى إسقاطها؟ وماذا نفعل فى الاعتصام القائم أمام مجلس الوزراء؟ من ناحية، لا يجوز إهمال المحطات السياسية والدستورية القادمة: المرحلتين الثانية والثالثة من الانتخابات التشريعية، ثم كتابة الدستور، ثم الانتخابات الرئاسية. فهذه المحطات، وما بينها، هى العلامات الأساسية التى ستشكل النظام السياسى لمصر لسنوات قادمة، وهى تستدعى من كل خائف على مستقبله أن يعد لها أفضل إعداد ممكن، باليقظة والمتابعة والمشاركة والحشد إن استطاع. ولا يجب أن يشغل القوى الديمقراطية شىء عن الإعداد لهذه المحطات والمشاركة فى صياغتها بأكبر قدر ممكن من التأثير والفاعلية. لكن من ناحية أخرى، هل يعنى ذلك أن نترك الجمل بما حمل لحكومة قدماء المصريين هذه؟ لنتذكر أن هذه الحكومة، بما ستفعله أو لن تفعله فى مجالات الأمن والاقتصاد والحريات ستؤثر بشكل مباشر على الجو العام وعلى مسار المرحلة الانتقالية. فإن لم يُستعَد الأمن، أو تدهورت الأحوال الاقتصادية، فسيدفع ذلك المواطنين إلى التصويت فى اتجاه يختلف عن تصويتهم فى حالة عاد الأمن وانتعشت الأحوال. الاقتصاد والأمن إذن -وبالتالى الحكومة- أمران غاية فى الأهمية لمستقبل مصر السياسى، تماما كالدستور والانتخابات. بمعنى آخر، فإن ترك الجمل بما حمل للحكومة قد يؤدى إلى موت الجمل أو ضياع حمله قبل أن نصل إلى الانتخابات الرئاسية. فهل نركز جهدنا إذن على استبدال حكومة إنقاذ وطنى حقيقية تحافظ على الجمل والحمل بهذه الحكومة؟ ولكن فى ضوء تعنت المجلس الحاكم وتمسكه الغريب بهذه الحكومة، ألا يصبح التركيز على إسقاطها مضيعة للوقت، أو حتى فخا منصوبا لقوى الثورة كى تغرز فيه وتنشغل عن المحطات السياسية والدستورية الأكثر أهمية؟ هذه هى المعضلة التى تواجهها القوى المؤيدة للثورة. وهذا هو اجتهادى فى حلها. مما لا شك فيه أن التركيز يجب أن يبقى على المحطات السياسية والدستورية القادمة -الانتخابات والدستور هما الأولوية. وبدلا من إضاعة الجهد والطاقة فى محاولة إسقاط حكومة لا يريدها أحد أصلا يجب «مراقبتها» بشكل منهجى ومنظم، حتى تسقط وحدها فى أى من الأزمات التى ستتسبب فيها بحكمتها الأكيدة. وما أعنيه بمراقبة هذه الحكومة هو أن تقوم منظمات المجتمع المدنى والقوى السياسية الرئيسية بتشكيل ثلاث لجان متابعة ومراقبة: واحدة تركز على قضية الإصلاح الأمنى، وواحدة على القضايا الاقتصادية، والثالثة على قضايا الحريات. مهمة هذه اللجان مزدوجة: بلورة توافق بين قوى الثورة حول رؤى الإصلاح الأمنى والاقتصادى وقضايا الحريات، ومراقبة ما تفعله الحكومة أو لا تفعله فى هذا المجال. إنشاء هذه اللجان وقيامها ببلورة رؤية جديدة لهذه القضايا ومراقبة أداء الحكومة فيها سيكون أفضل أداة لتمكين قوى الثورة وإكسابها القدرة على المبادأة ودفع الحكومة -أى حكومة- وتحويل مطالب الناس وأهداف الثورة إلى سياسات. من ناحية أخرى، ستكون تلك تجربة تعلمنا جميعا العمل معا والتركيز على القضايا الجوهرية العملية التى نواجهها بدلا من الانشغال بشعارات ومواقف مبدئية ليست بالضرورة ذات صلة بالواقع. كذلك سيبرهن ذلك لعموم الشعب -خصوصا الأغلبية الصامتة الشهيرة- على أن قوى الثورة ومنظمات المجتمع المدنى تهتم بقضاياه الحقيقية وتتابعها بشكل عملى ولا تحاول تعطيل مسار الحكومة عندا أو مكابرة أو مغالاة كما يدّعى أنصار الاستبداد. أما الاعتصام فوسيلة للاحتجاج، وليس هدفا فى حد ذاته. ومن ثَم أترك أمره لأصحابه يقررون متى يرفعونه ومتى يعيدونه وفقا لتطور الموقف. وإن كنت أذكّرهم بأن الزيادة كالنقصان، والإسراف كالغياب. تشكيل هذه اللجان من قِبل قوى الثورة ومنظمات المجتمع المدنى، والتركيز على بلورة رؤى لمعالجة هذه القضايا ومراقبة أداء الحكومة فيها، ربما لا يؤدى إلى سقوط حكومة قدماء المصريين، لكنه سيضع الأساس العملى المطلوب لحكم المصريين لأنفسهم.