هذه السطور كتبتها بعد دقائق من انتهاء وقائع آخر جلسة مذاعة تليفزيونيا من جلسات محاكمة الأستاذ المخلوع حسنى مبارك عن نذر يسير من جرائمه التى يشيب لها الولدان بحق هذا الوطن وشعبه، لكنى أؤجل ملاحظاتى على ما جرى فى هذه الجلسة إلى الغد، وأكتفى اليوم بما نشرته صحيفة «الأهرام» يوم الأحد الماضى من تحقيقات النيابة العامة فى جريمة محرقة أو «موقعة الجمل» مع كل من الست عائشة عبد الهادى وزيرة القوى العاملة السابقة، وإلحاق نسائنا الفقراء بالخدمة فى بيوت الخليج، وزميلها الأخ حسين مجاور رئيس اتحاد عمال مصر المزور والمنحل حاليا. لقد قرأت باهتمام النص المنشور من التحقيق مع الست عبد الهادى والأخ مجاور ولم يستوقفنى إنكارهما الذى يشبه الاعتراف بجريمة المشاركة فى وقائع المحرقة الرهيبة الشهيرة، وإنما استوقفتنى ثلاثة مواضع فقط بدت لى شديدة الدلالة وبليغة جدا فى وصف حال ونوع وثقافة وأخلاق أعضاء العصابة التى مارست سطوا مسلحا تاريخيا ونادرا وطويلا على الحكم والثروة فى بلادنا، أولها ذلك الجزء الذى حكى فيه الاثنان صراحة كيف أنهما قادا مظاهرة رتباها معا وحشدا لها قطيعا أقله من المنافقين الذين اغتصبوا بالزور شرف تمثيل عمال مصر، أما أغلبه فمن صيَّع وبلطجية مأجورين انطلقوا يحملون صور سيدهم المخلوع من أمام مبنى اتحاد العمال وتوجهوا -حسب أقوالهما- إلى مبنى التليفزيون الرسمى بماسبيرو (أنكرا علاقتهما بالقطعان المجرمة التى دفعت ودفع لها لكى تهاجم الثوار فى ميدان التحرير).. أما لماذا ذهبا بقطعانهما إلى ماسبيرو بالذات؟! فقد اتفق مجاور وعائشة على أنهما ومقاطيعهما أرادوا إعلان «دعم الاستقرار والشرعية»، بيد أن عائشة زادت فى أقوالها سببا آخر وهو «مؤازرة الإعلام من الشعب».. وهى تقصد طبعا الإعلام الرسمى الكذاب الذى كان يحرض آنذاك على قتل «الشعب»!! ولا أستطيع مغادرة هذا الموضع من أوراق التحقيق من دون أن أنقل للقراء الحكاية التى رواها كلاهما، وملخصها أنهما عندما شعرا بالتعب والإرهاق من كثرة الهتاف للمخلوع، دخلا باحة مبنى صحيفة «الأهرام» طلبا للراحة من عناء النفاق، ولم يطلبا هناك سوى شربة ماء، لكن قيادات الصحيفة وقتها لما علموا بوجودهما فى المبنى نزلوا لهما مهرولين وأحسنوا وفادتهما وأفاضوا عليهما من الكرم وسقوهما، بدل الماء وحده «عصائر» أيضا!! أما الموضع الثانى الذى استوقفنى، فهو السطور التى سأل فيه المحقق، الأخ مجاور عن صفة الوزيرة عائشة وسبب حضورها اجتماع قيادات اتحاد العمال الذى تقررت فيه الدعوة لمسيرة «المؤازرة».. فقد نفى رئيس الاتحاد المخلوع فى إجابته تبعية التنظيم النقابى للحكومة، لكنه عاد وقال فى السطر نفسه إنه دعا الوزيرة لأنها تمثل «الجهة الإدارية التى يتبعها الاتحاد»، ثم استدرك مرة ثالثة، مؤكدا أن اتحاده «مستقل» قوى جدا خالص!! يبقى الموضع الثالث والأخير، وربما الأهم، ففى هذا الموضع سأل وكيل النيابة حسين مجاور عما إذا كان استمع فى أثناء شربه العصير فى مبنى «الأهرام»، لحوار عاصف دار بين عائشة عبد الهادى والصديقة والزميلة الصحفية النابهة آمال عويضة، ذلك الحوار الذى روت آمال فى شهادتها الرسمية أمام النيابة تفاصيله التى تقطع بضلوع الست عائشة فى جريمة التحريض على قتل شباب مصر الثائر.. وقد أجاب مجاور ناكرا سماعه أى شىء من هذا الحوار وقال: «..أحسست (فقط) بوجود مشادة بين الوزيرة وإحدى الشابات لونها أسمر عرفت بعد ذلك أنها من العاملين فى (الأهرام)»!!! إذن فالرجل لم «يحس» ولم يلاحظ ولم يلفت نظره شىء إلا لون بشرة زميلتنا الأسمر(!!) وأظن أنه استغرب واندهش بشدة عندما «علم بعد ذلك» أن هذه الشابة، رغم سمارها الواضح، تعمل صحفية، بل وفى «الأهرام»، حيث الصحفيون هناك يفترض وربما يجب فى عرف أمثاله أن يكونوا مستوردين ومن نوع الجنس الآرى الأبيض الفاخر!!