«كان أبو العربى يتنقل بين شاشات الفضائيات يتابع فاعليات الثورة باهتمام، فوجد كل الشاشات تحتفى بعرض مشهد واحد لضابط جيش شاب نزل إلى ميدان التحرير وقد حمله الشباب على أعناقهم وطافوا به الميدان، صدم المشهد مشاعر وقلب وعقل أبو العربى الذى سافر فى الزمن للحظات قليلة ثم عاد وانتفض وأغلق تليفزيون المقهى وسط دهشة الزبائن الذين كانوا يتابعون الأحداث، ونظرو إلى أبو العربى باستغراب وهو ينسحب هادئا مطرقا وحزينا متحيرا عائدا إلى مقعده المعتاد فى ركن المقهى وسألوه بحيرة». - قفلت التليفزيون ليه يا ابو العربى؟ «صمت أبو العربى ولم يرد». - مالك يا ابو العربى؟ - خايف. «تبادل الزبائن النظرات بحيره ثم سألو أبو العربى». - خايف من إيه؟ - خايف الزمن يعيد نفسه.. خايف من اللى شفته على الشاشة. «احتار الزبائن أكثر وسألوه». - وانت شفت حاجة غير اللى احنا شوفناها يا ابو العربى؟ - شفت.. وخفت. - شفت عفريت؟ - شفت مارد. - إنت هتخوفنا ليه يا جدع! ما تفهمنا الموضوع! ونعيد نفس الغلطة اللى ارتكبناها من أكتر من خمسين سنة. «هنا انتبه الزبائن للأمر وأدركوا أن أبو العربى عنده ما يستحق الاهتمام فتحلقوا حوله وسألوه» - إيه اللى حصل يا ابو العربى من خمسين سنة؟ - مش فاكرين؟ - فكرنا. - فاكرين يوم ماشيلنا عربية البكباشى عبد الناصر من على الأرض، ورفعناها على رقبتنا وهو راكبها، وفضلنا شايلينها وماشيين بيها من أول شارع 23 يوليو لحد مبنى المحافظة، لحد مارقبتنا اتحنت، وماكنّاش نعرف إنها هتفضل محنية من يومها لحد وقتنا هذا، لدرجة أن احنا نسينا، بقت عاهة مستديمة فينا وورّثناها لعيالنا، وورّثنا عيالنا نفسهم ومستقبلنا وحالنا ومالنا ومحتالنا لظابط بعد ظابط بعد ظابط كلهم ركبوا ولفوا رجليهم على رقبتنا وقمطوا جامد وخنقونا ولزقم من يومها، لحد مافجأة طلع جيل جديد مانعرفش عنه حاجة عمل ثورة وقال.. «إرفع راسك فوق إنت مصرى» بس نسيوا إن اللى عايز يرفع راسه فوق، مايشيلش عليها حد تانى، خايف يغلطوا نفس غلطتنا القديمة اللى حنت راسنا أكتر من خمسين سنة، خايف عليهم، اللى عايز يرفع راسه فوق مايشيلش عليها حد، مايخليش حد يركب، لأن اللى بيركب مابينزلش، وبيفضل لازق فى قفاك، ولافف رجليه على رقبتك، زى حكاية المارد اللى بيحكيها المصريين لبعضهم من آلاف السنين، واللى قريناها فى كتاب ألف ليلة وليلة، واللى فهمناها على إنها حكاية عفاريت وجن وشعوذة، مع إنها حكاية عن البشر، ولها حكمة ومغزى ومعنى، بس احنا لسه بنقراها على إنها حكاية عن العفاريت والجن والأرواح والأشباح، مع إننا لو كنا فهمنا معناها زمان، ماكنّاش غلطنا وشيلنا عربية البكباشى عبد الناصر على رقبتنا! - وتطلع إيه حكاية المارد دى يا ابو العربى؟ - الحكاية بتحكى عن بنى آدم شهم وطيب وعلى نياته، كان راجع من غيطه بالليل بعد ما روى أرضه، لقى راجل عجوز واقع على الأرض مش قادر يتحرك، قام صاحبنا الشهم شاله على اكتافه عشان ياخده معاه البيت، فجأة بيبص على رجلين الراجل العجوز لقاها بتطول، وبيبص عليها لقاها بقت شبه رجلين المعيز، وبتلف على رقبته وتخنقه، والراجل العجوز طلع مارد شبط فى رقبة صاحبنا اللى حاول يرميه من على اكتافه مقدرش، وعرف إنه فات الميعاد، وفضل المارد سايقه زى البهيمة، وكل مايحاول يعافر ويخلص منه يلاقى رجليه المعيزى بتلف على رقبته تخنقه أكتر وتعصر رقبته أكتر فيبطل يعافر، وما اكتفاش المارد بإنه يسوقه زى البهيمة وبس، ده كمان كان بيزرط ويزرب ويقضى حاجته على صاحبنا الغلبان اللى اتحول لبهيمة وكابينيه فى نفس الوقت. «هتف الزبائن بخوف وقد فهموا الأمر». - يا نهار اسود! - عرفتوا ليه أنا خفت.. لأن الحكاية مش حكاية عفاريت وجن أزرق.. الحكاية حكايتنا.. وخايف نكرر نفس الغلطة.. ونشيل مارد تانى.. واحنا لسه ماغسلناش جسمنا من خرا المارد اللى خلعناه وفكينا رجله من على رقبتنا فى 25 يناير، خايف ننسى ونشيل مارد تانى يلف رجله على رقبتنا ويفضل لازق وماينزلش إلا بثورة تانية، وادى انتو شفتم عصام شرف إلى شالوه على راسهم فى الميدان، حط راسهم فى الطين، وزى اللى هيموتوا ويركبوا وهمّ بيدعوا سبحان الذى سخر لنا هذا! ودول لو اتمكنوا ولفوا رجليهم على رقبتكم مش هينزلوا ولا بالطبل البلدى، وزى اللى ركبوا وقالوا شرعية 52، ولما انتهت صلاحية 52 قالولك شرعية أكتوبر، ولما انتهت صلاحية أكتوبر قالولك شرعية الاسْتفتا، كله عايز يركب، وكل اللى بيركب بيلزق، وكل اللى بيلزق مابينزلش إلا بثورة، والشعوب مابتعملش كل يوم ثورة، لازم نتعلم بقى من غلطنا، لأننا لو كررنا نفس الغلط تانى نبقى بهايم ونستاهل اللى يجرالنا، ونبقى زى ماقال الشاعر: - قال إيه الشاعر يا ابو العربى؟ - لكل داء دواء يُستَطَبُّ به.. إلا الحماقة أعيتْ من يداويها