وسقط المجلس العسكرى، ولم يبق فى الأفق إلا ثلة تفكر فى مخرج «يحافظ على كرامة المجلس العسكرى»! أى كرامة لعسكرى يقسم على الموت من أجل شعبه ثم يطلق عليهم الغازات السامة كأنه يرش الحشرات بمبيد؟ سقط المجلس العسكرى إلى الأبد، وعلى أعضائه أن يبحثوا عن تذاكر سفر إلى جدة، لا عن مخرج كريم، وعلى الإخوة «خالتى اللتاتة» أن يبحثوا عن طريقة لإعادة الجيش إلى ثكناته قبل أن يتحول إلى نسخة مستنسخة من الشرطة المصرية المريضة، والتى سيستغرق علاج عناصرها عقودا طويلة، وأغلب الظن أن العلاج لن يفلح بعد هذه العقود، وسينتهى بهم الأمر فى الخانكة إن شاء الله. سقط المجلس العسكرى، وهو الذى أسقط نفسه حين حنث بقسمه، وهو الذى أسقط نفسه حين ألقى بجثامين المصريين فى المزابل، وهو الذى أسقط نفسه حين أقام مذبحة يومية فى شارع محمد محمود.. وأسقطته أرواح شهداء محمد محمود. سقط المجلس العسكرى حين استفز حتى حزب الكنبة الذى هرع ملتاعا إلى ميدان التحرير يهتف بسقوط حكم العسكر، فلقد قابلت فى الميدان العديد من المعتصمين الذين أكدوا لى أنهم لم ينزلوا فى أى تظاهرة من قبل فى حياتهم، بل ولا يقرؤون الصحف، ولا يشاهدون إلا «روتانا سينما» و«ميلودى». سقط المجلس العسكرى وسيذهب. سيذهب ويترك لنا «خالتى اللتاتة» الذين لا يكفون عن طرح ذلك السؤال العبثى المستفز: هم العيال بتوع محمد محمود بيعملوا إيه جوه؟ ما يطلعوا... يا راااااجل؟ الإجابة عن سؤال «بيعملوا إيه جوه؟» لن تعرفه إلا إذا دخلت إلى «جوه»... يا جبان، أما اقتراحك «ما يطلعوا..»، فلا أعلم أى النازلتين أنكى؟ أأنك معتوه أم أنك خسيس؟ قنابل الغازات السامة، والرصاص الحى، والمطاطى، وشلال الشهداء، وسيل المصابين لا يفتون فى عضد خيرة أبطال مصر.. مقاتلو شارع محمد محمود، وإنما يطعنهم فى الظهر أولئك الذين يخذلونهم، ويثبطونهم، ويسفهونهم، ويتهمونهم بالعبثية، وإلقاء أنفسهم فى التهلكة. أقول عن المخذل معتوها لأنه يفترض الانتحارية العبثية فى شباب، بل وصبية، لم يفتتح أيهم حياته بخير ولا بشر قبل أن يدخل ذلك الشارع، وكأن هؤلاء الأبطال يستمتعون بشم الغاز المسمم ورائحة الموت والدم، وكأن لهم الخيار فى التقهقر أو التوقف عن القتال، لكنهم آثروا الموت كنوع من التجديد والمغامرة، وأقول عن المخذل خسيسا، لأنه لا يكتفى بكونه جبانا لا يجرؤ على المرور من أمام تلك المقتلة الدائر رحاها، بل يثبط الفدائيين الذين يحمون الميدان، ولم يقسم الله له أى حظ من الشجاعة اللهم إلا شجاعة تحمله بحرا من الدماء يراق فى ميدان التحرير إن قرر أبطال محمد محمود التقهقر. المواجهات فى محمد محمود لا توصف إلا بكلمة واحدة: هول. محدثتكم واجهت قوات الأمن فى يوم 28 يناير 2011 وأكرر عليكم، ما أراه فى محمد محمود ليس إلا «هولا»، جريمة حرب، مجزرة دامية كمجازر الاحتلال الإسرائيلى فى غزة تقوم بها قوات الأمن، التى تحتمى بالمجلس العسكرى وتأتمر بأمره، يواجهها أسد مصر، بل هم أسد العرب قاطبة، (ومن ثم فهم أسد العالم، حيث إن العرب أسد العالم بس بختنا مايل)، بشجاعة لم أر لها مثيلا، ولم أقرأ عنها فى الكتب، الفرد المقاتل فى محمد محمود هو خميرة للشجاعة، تأخذ من دمه 3 سم وتخففه بلتر من الماء فيصنع لك عنترة بن شداد. الدافع لارتكاب هذه المجزرة هو كسر إرادة الشعب، واستعادة ما يسمونه «هيبة الشرطة»، والانتقام القاتل من شعب ثار على جهاز فاسد أمضى عقودا فى إذلاله. كل ما ترغب فيه قوات الأمن، ومن خلفها المجلس العسكرى، هو أن يهرب المتظاهرون وينكسروا تماما كما هربت الشرطة وانكسرت فى 28 يناير.. الخلاصة: هذه المجزرة تخليص حق من الشعب. ولم يحبط هذه الخطة إلا أبطال محمد محمود الذين يقول عنهم البعض: العيال فى محمد محمود ما يطلعوا! القصة تبدأ فى صبيحة يوم 19 نوفمبر، يوم أن فقد أحمد حرارة بصره وفقد مالك مصطفى عينه اليمنى وأصيبت رشا عزب فى ذقنها، ثم تصاعدت وتيرة العنف من قبل الشرطة، وانضمت إليها الشرطة العسكرية التى قتلت من قتلت ثم ألقت بجثامين الشهداء فى المزابل، وبمناسبة الجيش الذى ألقى بجثامين المصريين فى المزابل، سأروى لكم قصة حدثت بالفعل: يعلم الجميع أن المصريين يحبون الجيش ويكرهون الشرطة، الأمر الذى يجعل المتظاهرين يصابون -كل مرة- بالصدمة من اعتداء الجيش عليهم. هجمت علينا قوات الشرطة العسكرية كالجراد من كل الشوارع لتطردنا من الميدان، فتوقف سامى يوسف، أحد الشباب المعتصم، ومشى واثقا نحو أحد الضباط ووقف مواجها له وقال: أنا جاى أسألك سؤال واحد بس.. إنت بتعمل كده ليه؟ فاستهزأ به الضابط وقال: انزل على ركبك.. فأجاب سامى: مش نازل. فأمر الضابط عساكره بإحاطة سامى ثم ضربه على ساقيه بكعب البندقية فوقع سامى على الأرض، فقال الضابط: ازحف على بطنك.. فأجابه سامى: مانزلتش على ركبى.. حازحف على بطنى؟ فأوسعه ضربا ثم أخذ عساكره وأكمل طريقه، فقام سامى وأسرع خلفه واستوقفه مرة أخرى قائلا: أنا تانى باقولك بتعمل كده ليه؟ أنا لما كنت صغير كنت باعيد ببدلة ظابط.. إنت بتعمل كده ليه؟ فرد عليه الضابط: إنت شكلك عايز تموت.. ثم ضربه بالخرطوش فى فخذه، فوقع سامى على الأرض، بينما تركه الضابط، إلا أن سامى قام نازفا وركض خلفه صارخا: يا عم أنا جاى أموت أساسا.. ومش فارقة معايا الدنيا.. باسألك سؤال واحد.. إنت بتعمل كده ليه؟ فأشاح الضابط بوجهه وتركه وغادر. تتبع قوات الأمن خطة جديدة، فهى لا تنزل بكامل طاقتها كما فعلت فى يوم 28 يناير، وإنما تقسم نفسها إلى فرق، وتدعى الرغبة فى المصالحة كلما أرادت أن تبدل الورديات، فيلتزم الشباب بالهدنة، ثم يفاجؤون بهجوم ضارٍ من قبل قوات الأمن، إلى جانب نشر بعض عناصر التحريات العسكرية التى تدور فى الميدان لتقنع الناس بعبثية ما يفعله الشباب فى محمد محمود، وبلغ بهم الغباء الادعاء بأن القيادات لم تعط الأمر لقوات الأمن بالاعتداء، وإنما هى أوامر الضباط الصغار ما بين ملازم ومقدم! آه.. طيب الملازم خالف الأوامر وأعطى أمرا للعساكر بالضرب أول يوم.. ثانى يوم.. أين القيادات فى ثالث يوم؟ ثم تتصل قيادات الأمن ببعض الشخصيات المعروفة والشيوخ للقيام ب«الوساطة» بينهم وبين أبطال محمد محمود، متعهدين بأن يتوقف الشباب عن الضرب، بينما تنسحب قوات الأمن. نعم.. أنا حضرت الهدنة الأولى التى توسط فيها الشيخ مظهر شاهين، وكنت أقف فى الصفوف الأولى وقت أن كان الشباب يصلون الفجر، وبعد الانتهاء من الصلاة اصطفوا مكونين لجانا شعبية لحماية قوات الأمن -التى لم تنسحب كما تعهدت- ولزيادة التأمين، صفوا أنفسهم ثلاثة صفوف، أكرر: حماية لقوات الأمن المسلحة وهم العزل. كان الشباب فى هذه الصفوف هم أول الشهداء حين غدر الأمن. ثم يدخل بعض الشباب «المتدين» والشيوخ ل«يصلحوا ذات البين»! ويصافحون قوات الأمن طلبا للتهدئة، وأنا لا أعلم فى أى دين أو شرع تضع يدك فى يد تقطر منها دماء الشهداء الذين ما زالوا يرقدون فى ثلاجات المشرحة؟ وأى «بين» ذلك الذى تريد أن تصلحه؟ إلا أن الشباب فى محمد محمود أطاعوا «عم الشيخ» وقبلوا الهدنة، فما كان من قوات الأمن إلا أن غدرت بهم وألقت عليهم القنابل المسيلة للدموع وهم يصلون المغرب.. بلا ذات البين بلا غراب البين، توقفوا... توقفووووووووواااااااااااااااا.. الشباب صرخ فى محمد محمود: نار نار نار نار.. بينا وبينكم دم وتار، وقد حسم الأمر وانتهى، استشهد من استشهد، وأشهد أمام الله أننى حين ذهبت إلى المشرحة شممت رائحة المسك القوية جدا وأنا أقف بجوار الثلاجات، وأصيب من أصيب، وشهد الأطباء فى المستشفى الميدانى بكنيسة قصر الدوبارة أن الأمن يطلق على الشباب غاز الأعصاب، حيث إن بعضهم أصيب بحالات هيستيرية بمجرد أن شم الغاز، وأصيب البعض الآخر بحالات رهاب، وتشنجات، واكتئاب، فتوقفوا الآن. توقفوا عن تثبيط أبطال يضحون بأنفسهم ليحموا الثورة، وليجلس المعتصم فى خيمته آمنا، توقفوا عن تسفيه عمل خيرة الشهداء.. وهم خيرة الشهداء حقا، أنا شممت رائحة مسك لا لبس فيها، ح اكدب مناخيرى وأصدقك أنت؟ توقفوا عن الاتصال بالأمن.. إيه ده؟ إييييييييييييه دههههههههه؟ خيبكم الله وأحبط أعمالكم، كيف تجرؤون على محادثة مجرم قاتل ثم «تستهبلون» وتقومون بالوساطة! وساطة إيه يا عم الحجز؟ من يتصل بك منهم ويطلب منك الوساطة لوقف العنف أجبه إجابة سهلة وبسيطة: وماله؟ اسحب قوات الأمن من الشارع واجعلها أمام وزارة الداخلية لتقوم بعملها فى حماية المبنى الذى لا يعتزم المتظاهرون اقتحامه، ولو أرادوا اقتحامه لاقتحموه منذ اليوم الأول، ده إنتو كل يوم بتاكلوا علقة ما أكلهاش حرامى فى مولد، وتتقهقرون، وتدعون الذلة والمسكنة، حتى يتراجع الشباب فتعيدون الكرة عليهم. ثم توقفوا عن ترديد تلك الجملة الممجوجة: الثورة فى الميدان مش فى محمد محمود! إيه يعنى؟ حجز التذكرة كان فى الميدان حصريا؟ أبطال محمد محمود هم من يحمى الثورة، وأبطال محمد محمود هم من يمثلون الثورة، وأبطال محمد محمود هم خيرة من أنجب العرب، وأبطال محمد محمود هم أولياء الله على الأرض، اللهم اخذل من خذلهم وانصر من نصرهم... مدد.