أصبح من الواضح أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تجد صعوبة فى الجمع بين دعمها للتغيير الديمقراطى، ورغبتها فى الاستقرار من جهة وبين توجسها من الإسلاميين الذين أصبحوا قوة سياسية فاعلة من جهة أخرى، هذا هو المأزق السياسى الذى تواجهه واشنطن فى تعاملها مع الربيع العربى، الذى حددت شكله الاشتباكات التى تشهدها القاهرة منذ مطلع الأسبوع الحالى، كما قالت صحيفة «نيويورك تايمز» أول من أمس (الإثنين)، فى مقال للكاتب سكوت شين. الصحيفة أضافت أن المواجهات بين الأمن والمتظاهرين التى تشبه ما حدث قبل الإطاحة بمبارك هى إرهاصات لما يحتمل أن يكون صراعا طويلا وفوضويا على السلطة لا يمكن التنبؤ بنتائجه، ويمثل تحديا هائلا لصانعى السياسة الأمريكية. فالقلق الحالى يكمن فى أن هذه الاحتجاجات قد تخرج عن نطاق السيطرة، وتواجه بقمع عسكرى يمكن أن يشكل خطرا على أول انتخابات برلمانية بعد سقوط مبارك التى من المقرر أن تبدأ فى 28 نوفمبر الحالى. ويقول المدير التنفيذى لمشروع الديمقراطية فى الشرق الأوسط فى واشنطن ستيفن مكينيرنى، الموجود فى القاهرة حاليا، إن المحتجين فى ميدان التحرير يتهمون الإدارة الأمريكية بدعم المجلس العسكرى الحاكم. يصف الكاتب مصر بالبلد الأكثر سكانا فى العالم العربى، التى ستكون نتيجة الاضطرابات السياسية بها ذات أهمية بالغة لواشنطن وستشكل سابقة بالنسبة للبلدين الأصغر حجما فى المنطقة، كما ستكشف مدى توافق جماعة الإخوان المسلمين مع الديمقراطية وتقرر مستقبل علاقات مصر مع إسرائيل. على المدى البعيد، ثمة قلق من أن الإخوان المسلمين يمكن أن يشكلوا تهديدا للقيم الديمقراطية وحقوق الأقليات من خلال فرض حكم دينى محافظ -كما يقول شين- ويستشهد بتصريح لبريان كاتوليس من مركز التقدم الأمريكى، والسيدان مكينيرنى وكاتوليس عضوان فى فريق العمل الخاص بمصر، والمكون من خبراء أمريكيين التقوا قبيل اندلاع الربيع العربى لمناقشة التطورات فى مصر، وتم التشاور معهم بالفعل من قبل البيت الأبيض ويوضح كاتوليس أن الإدارة الأمريكية استمرت تتواصل مع الإخوان المسلمين للحفاظ على الاتصالات المفتوحة بين الطرفين، ولتشجيع قادتها على بعث رسالة تطمئن الناس بشأن احترامهم لحقوق الإنسان الأساسية. ودعا هذا الفريق يوم الخميس الماضى إدارة أوباما إلى مطالبة المجلس العسكرى بتخفيف قبضته على السلطة كشرط لاستمرار المساعدات العسكرية الأمريكية، والبالغة 1.3 مليار دولار سنويا، وتوفر ما يقرب من ربع ميزانية مصر العسكرية. ويضيف بيان المجموعة أن الثورة المصرية ما زالت تتلمس خطاها، وأن الجيش لا يبدو مستعدا للتخلى عن مقاليد السلطة، مشيرا إلى أن حكام البلاد العسكريين أجلوا رفع حالة الطوارئ فى مصر وعملوا على حماية امتيازات الضباط الاقتصادية. وحسب بول جيه سوليفان، المتخصص فى شؤون الجيش المصرى بجامعة جورج تاون، فإن كبار ضباط الجيش المصرى ينظرون بهلع إلى المنافسة السياسية الصاخبة التى تشهدها مصر، والتى تشمل جماعة الإخوان المسلمين والجماعة السلفية والليبراليين العلمانيين من مختلف المشارب، فهم «يخشون من الفوضى». ويضيف أن المساعدات العسكرية الأمريكية والعلاقات الشخصية بين القادة العسكريين الأمريكيين والمصريين تمنح نفوذا كبيرا للولايات المتحدة، كما أن الجانبين على اتصال يومى رسمى وغير رسمى.