اللهم احم مصر من «محبيها»، أما كارهوها فإننى كفيل بهم. هل لديك طفل؟ هل دخلت فى علاقة حب؟ خطوبة؟ زواج؟ أو حتى صداقة قوية؟ إن كنت تنتمين إلى أى من تلك الفئات فإن هذا المقال يخصك. وإن كنت لا تنتمين إلى أيها فإنه يخصك أيضا، فسوف تدخلين فى علاقة ما يوما ما، أو، ربما تستخدمين ما فيه لتشكيل رأيك السياسى. كيف؟ المبالغة فى «الحب» والحماية والإحاطة قاتلة العلاقات بين البشر. فى البداية يسعد بها الحامى والمحمى، يخلط بينها وبين فرط الحب، ودفء الرعاية. لكنها سرعان ما تتحول إلى وسادة من حرير «نفطِّس» بها من نحب. لا نستمع إلى استغاثاتهم لأننا كتمنا على أنفاسهم، ولا نلحظ «فرفطة» أرجلهم لأننا مشغولون بحماية أوجههم من دخول جراثيم الهواء عبر فتحات أنوفهم. والأمر كذلك فى السياسة مع فارق وحيد، أنك فى الحب تكتشفين هذا بعد حين وتتخلصين ممن كتم على أنفاسك، أو تتخلصين من نفسك، أو تتخلصين من الحب ومن كل ما يتعلق به، وتستبدلين به غيره. أما فى السياسة فإن المخنوقة تنجب «خنيقين» أكثر، يربيهم من سبقهم على أن الخنقة محبة، ووطنية، وغيرة، وحمية، وذود عن الديار، وصيانة للأرض والعرض، وحماية من المؤامرات ومن التهتك والفسوق والعصيان، و.. و.. و.. و.. والنتيجة مزيد من الخنقة. كما أنك لا تستطيعين استبدال بوطنك سواه. يا جماعة الخير، قائمة أعدائنا تطول كل يوم، وليس هذا أمرا جيدا، لا نفسيا ولا سياسيا، لا حاضرا ولا مستقبلا. الإنسان الذى يتلفت حوله ويخشى كل شىء يعيش سجين مخاوفه. يخشى من الإنفلونزا لو فتح الشباك، ومن احتقان الزور لو أكل آيس كريم، ومن الدوسنتاريا لو أكل كشرى فى الشارع، ومن إصابات الملاعب لو لعب مع أقرانه. كل شىء فى الدنيا به قدر من الخطر، ومن الجيد أن يدرك الإنسان الأخطار ويضعها فى حسبانه، لكن من الضرورى أن يتعامل معها على قدرها ولا يبالغ فيها وإلا أصيب بالشلل.. هل كان الخطر نفسه قادرا على أن يصيبك بالشلل؟ فى زمن سابق كنت أحب جدا بيتى الشعر هذين: «إنى ابتليت بأربع ما سلطوا/ إلا لشدة شقوتى وعنائى/ إبليس والدنيا ونفسى والهوى/ كيف السبيل وكلهم أعدائى؟» لكننى إذ أقرأهما الآن أدرك أنهما أضرانى أكثر من كل الأعداء المذكورين فيهما، لأنهما ببساطة جعلا كل شىء فى الحياة عدوا لى. اقرئى الشطر الثالث مرة أخرى: ماذا تبقى إذن إن كانت الدنيا عدوى ونفسى عدوى وما أهواه عدوى؟ ماذا تبقى؟ لو طبقنا منطق الوسواس القهرى هذا على طعامنا لن نأكل شيئا، لو طبقناه على الأشخاص الذين نلتقى بهم لن نحب أحدا، لو طبقناه على الهواء المحيط بنا لن نعيش إلا تحت سحابة من الاسبراى المطهر. ولعلمك، فى أى من هذه الأحوال أستطيع أن آتى لكِ بحقائق علمية عن الجراثيم ونقل العدوى تبرر هذا الفعل. لكن، يا جماعة الخير، الأمور يجب أن توضع فى سياقها لكى لا نقتل البروتين والفيتامين فى حربنا ضد الجراثيم، ولكى لا نصاب بضمور العضلات فى استعراضنا لعضلاتنا، كإنسان يقضى العمر كله يرفع أثقالا فارغة كتب عليها بيده «250 كيلوجراما»، الجمهور المخدوع يصفق له، والجمهور الحصيف ينظر إلى عضلاته الضامرة ويدرك الخدعة. بطولة أخينا فى خداع الآخرين لا تفوقها إلا بطولته المطلقة فى خداع نفسه. وأذيته من خداع نفسه لا يفوقها ضررا إلا تصديقه لنفسه. وكارثةُ الكوارث أن يدفعه تصديق نفسه إلى الدخول فى مواجهة حقيقية باسمنا، فيفضح نفسه ويفضحنا على رؤوس الأشهاد.. آه، نسيت أن أذكر أننى أقول هذا الكلام أعلاه بمناسبة «الحفل الماسونى» عند هضبة الأهرام. «عايزين نخف على مصر شوية علشان تتجرأ كده وماتتخنقش».