قتيل الداخلية بلطجى، يحمل السلاح الأبيض، مدمن على المخدرات، يقتحم المساكن... وبفحص دقيق، تمكن الطب الشرعى من اكتشاف ذيل وقرون للمذكور، وقد شوهد أكثر من مرة وهو يحمل شوكة، كما لاحظ الجيران اختفاءه الدائم فى شهر رمضان، وقت أن تصفد الشياطين. لا وإيه، هذه المرة القتيل لا ينتمى إلى عائلة من الطبقة المتوسطة، بل هو فقير، أى أن استفتاحنا إدانته. ننوه بأن تقرير الطب الشرعى لم يصدر بعد، وأن سبب وفاة عصام عطا غير معروف حتى وقت كتابة هذه السطور، إلا أن الحملة التشويهية على الضحية المقتول قد بدأت بالفعل، وعلى نطاق واسع شاسع. وبما أن تقرير الطب الشرعى لم يصدر، فإننى لن أروى سوى شهادتى عن ذلك اليوم العصيب الذى حضرته فى المشرحة مع أهل القتيل وبعض من المتضامنين والمواسين. ذهبت فى يوم الجمعة 28 أكتوبر إلى مشرحة زينهم فى الساعة 10:18 صباحا. بمجرد وصولى وجدت الدكتورة ليلى سويف والروائية أهداف سويف تكادان تموتان كمدا من عويل أخت القتيل التى ظلت تردد: «خرطوم فوق وخرطوم تحت؟ ويومين ورا بعض؟ ماصعبش عليه؟ ليه؟ هو كان يهودى؟ ماصعبش عليه ده كله؟ ده إحنا لسه دافنين ابن أختى العيد اللى فات.. نيجى نستلم عيالنا من المشرحة؟ كانت ثورة سودا.. يا ريتنى أنا اللى مت يا عصام وأنت فضلت عايش.. مش حاشوفك تانى يا عصام..». تقدم إلىّ شاب، وقال: «يا أستاذة نوارة، أنا محمد أخو عصام.. شفتك فى التحرير وكلمتك عن أخويا.. وأنت ماعملتيش حاجة.. أخويا مات.. كلمنى أول إمبارح، وقال لى الظابط نور مبهدلنى، زعقت له وشتمته وقلت له استحمل، لو اشتكينا الظابط أنت اللى حتتئذى وحيلبسوك مصيبة.. شتمته يا أستاذة نوارة، مات وهو زعلان منى.. استنجد بيا وماعملتلوش حاجة.. وأنا كلمتك وأنت ماعملتيلوش حاجة.. أخويا لو سألتيه النهارده إيه مايعرفش.. ده غلبان..». ظللنا على هذه الحال تنزل علينا سياط نحيب آل عصام حتى حضرت والدته وظلت مرارا وتكرارا تروى ما حدث أمام عينيها، تقول أم عصام إنها حضرت لزيارته، وكان عصام مدينا لبعض المساجين بعلبتى سجائر -حيث إن العملة المتداولة داخل السجن هى السجائر- وأنها ظلت لفترة لا يسمح لها بزيارته، وأخيرا حضرت ومعها الطعام والسجائر وشريحة لخط محمول، كانت تعطى ابنها الشريحة حين هجم عليه الضابط أمامها وسحبه من غرفة الزيارة، وإذا بها تسمع صراخ عصام: «إلحقينى ياما.. إلحقينى ياما..»، حاولت أن تتبع الصوت مسرعة لنجدة ابنها، إلا أنها طردت من السجن، فى ذات اليوم، يقول محمد أخو عصام إن عصام اتصل به مستغيثا من العذاب الذى يلاقيه، وأخبره بأنه هو وزميل آخر اسمه مصطفى يتعرضان لصنوف التنكيل على يد الضابط نور، وأخبره بأن الضابط سقاه زجاجتى ماء مخلوط بمسحوق غسيل. مات عصام ولم تبلغ إدارة السجن ذويه بموته، بل علموا الخبر من المساجين الذين اتصلوا بهم ليخبروهم أن ابنهم نقل إلى المستشفى بعد أن تقيأ دما. ظلت أم عصام تروى بالتفصيل الممل كل ما لاقته من صنوف الشقاء طوال حياتها لتربى أبناءها. كانت عيناها زائغتين، وكانت الأستاذة نجلاء بدير بجوارها تواسيها وهى تمثل دور المتماسكة. بدأ النشطاء فى التوافد، وحضرت مجموعة من نشطاء 6 أبريل فى مظاهرة صغيرة. اقترح عليهم مالك مصطفى أن يسيروا فى الطرقات ليرووا قصة عصام، ففعلوا، حتى حضر سيد فتحى المحامى من مركز الهلالى، طلب منى أن أقله بسيارتى إلى قسم مصر القديمة لاستخراج أمر بتشريح الجثة، ذهبت مع الأستاذ سيد، ووالد عصام، ونفر من أقاربه إلى قسم مصر القديمة، قام الأستاذ سيد باستخراج أمر التشريح من القسم دون عناء. سلم الأستاذ سيد فتحى أمر التشريح إلى المشرحة، فبدؤوا التشريح على الفور، بعد برهة، أخبرنى الأستاذ سيد بأنهم يحاولون إدخال أحد الأطباء المتطوعين لحضور التشريح. تحدث الأستاذ سيد فتحى مع الموظف الذى قال له: ثانية، ثم ذهب وغاب لفترة طويلة. عادت إلينا حركة 6 أبريل بعدد أكبر من المتظاهرين، ها يا سيد، دخلتو الدكتور؟ لسه.. دخلت سيارة تكريم إنسان لتخرج جثة كان يتم تشريحها.. ها يا سيد؟ دخلتو الدكتور؟ لسه.. الموظف هربان منا.. حضرت سيارة تكريم الإنسان ووقفت أمام المشرحة، ووجدنا مشقة كبيرة لإقناع والدة عصام بأنه ليس فيها.. وأخيرا، وبعد مدة لا بأس بها، علمت بأن الطبيب قد دخل، فغادرت المشرحة فى تمام الساعة 3:30 متوجهة إلى التحرير.