نبيل المالح وماهر صليبى وفارس الحلو، مجموعة من الفنانين السوريين الكبار الذين قالوا لا وبصوت مسموع للطاغية بشار الأسد، وكان عليهم أن يدفعوا الثمن.. هؤلاء الفنانون رأيتهم فى مهرجان أبو ظبى، بعضهم لا يستطيع العودة إلى سوريا وإلا.. وهذه ال«إلا» تعنى أن ينتقلوا من الدار إلى النار، أقصد من المطار إلى سجن «المَزة» بفتح الميم وليس ضمها حتى لا يذهب خيالكم بعيدا إلى كلمة «المزز» وما تعنيه من تداعيات، لأن سجن «المَزة» -أكرر بفتح الميم- واحد من السجون السياسية الراسخة فى العالم أجمع، ويحظى بشهرة عريضة فى العالم العربى، ومن المؤكد أن الكثير من الوقائع المسكوت عنها فى هذا المعتقل والممتدة لأكثر من نصف القرن حتى قبل أن يمسك الأسد الأب بمقاليد الحكم سوف تعلن فى القريب العاجل.. عدد من الفنانين السوريين المعارضين يجازفون فى التنقل من وإلى دمشق، وبعضهم لا تزال أسرهم تعيش فى سوريا ولكنهم يعلمون أن النظام ينتظر الفرصة للتنكيل بهم وعندما يسترد أنفاسه فلن يترك أحدا منهم، تلك هى حيلة النظام السورى الآن، خصوصا فى تعامله مع النجوم والمثقفين، حيث إن التعليمات تقضى ببعض من الصبر والحذر حتى تحين لحظة الانقضاض على الثورة وبعدها يبدأ سيناريو اغتيال المعارضة أدبيا وجسديا.. النظام السورى حتى هذه اللحظة عصى على الهزيمة، ولكن على الجانب الآخر الثورة أيضا عصية على الانكسار وبحكم الزمن فإن النهاية فى هذه المعركة لن تنتهى بالضربة القاضية لأى من الطرفين، ولكن سوف تنتصر الثورة بالنقاط على النظام الذى سيتلقى مع الزمن ضربات متلاحقة وموجعة!! الزمن يلعب لصالح الثوار والنظام يعلم ذلك، ولهذا لا تتوقف بين الحين والآخر الدعوة لمظاهرة تخرج مؤيدة لبشار بحجة أن الأمن والاستقرار يساوى بشار. ورغم ذلك فإن الكل يُجمع حتى من يقف فى نفس الخندق مع بشار، على أن سوريا الآن لا يمكن أن تعود «سوريا بشار»، تقديس الحاكم سقط للأبد. الفنانون الذين يشكلون الأغلبية انحازوا لبشار، وتلك هى شريعة الفنانين والمثقفين فى عالمنا العربى ولكن الوقوف فى خندق بشار درجات هناك من يعلنها مباشرة مثل رغدة وسولاف وسوزان نجم الدين وجورج وسوف، وغيرهم وهناك من يقول إنه مع استقرار سوريا ويترحم على الشهداء والمعنى الذى يتركه فى تلك المساحة هو أن الاستقرار يساوى بشار. يباركون الإصلاحات التى أعلنها بشار ولا يتناولون السنوات ال12 التى اعتلى فيها الحكم، ولم يفعل شيئا لسوريا سوى أنه دعم بقاءه كما أنهم لا يقتربون من شرعية اعتلاء بشار سدة الحكم وتمرير التوريث واغتصاب الدستور هم يريدون أن يظل بشار رئيسا ليحصلوا على الثمن ولا يخلو الأمر من توجيه بعض اللوم إلى النظام لغياب الديمقراطية وامتلاك حزب واحد هو حزب البعث، مقاليد الحياة، كل ذلك صار مسموحا به من أجل أن يصل فى النهاية إلى أن يقتنع الشعب بمنح الأسد الصغير فرصة أخرى!! الفنان العربى الذى نراه الآن فى مهرجان أبو ظبى لم يتم اختياره لأنه معارض لنظام بشار، ولكن لأنه أولا فنان له رصيد إبداعى.. بعض الغاضبين والثائرين مثل المخرجين الكبار نبيل المالح ومحمد ملص وأسامة محمد على سبيل المثال كانت لديهم مواقفهم قبل الثورة والأمر ليست له علاقة بالطائفية، الدليل أن أسامة محمد من أتباع المذهب العلوى مثل بشار، وهى الطائفة التى ينظر إليها أغلب السوريين باعتبارها هى التى تحكم البلد وفى يد أغلب أفراد الطائفة كل مفاتيح النظام السياسية والاقتصادية والأمنية، ورغم ذلك فإنهم يشكلون فقط 12% من السكان.. نسبة قليلة من العلويين هى التى أدركت أن النظام يكرس الطائفية، ولهذا انضموا للثورة بينما العدد الأكبر حتى بين المثقفين المنتمين لنفس الطائفة مثل الأديب العربى السورى الكبير أدونيس، لا يزال يدافع عن بشار، متجاهلا أن عقيدة المثقف هى الدفاع عن الحرية لا الحاكم!! عندما التقيت المخرج نبيل المالح رئيس لجنة التحكيم فى مهرجان أبو ظبى، الذى أعرفه قبل نحو 20 عاما، قلت له العام القادم نلتقى فى دمشق الحرة وابتسم واكتفيت بتلك الابتسامة.. ونكتفى بهذا القدر من السياسة لنلتقى غدا مع السينما فى أبو ظبى!!