يحب المجلس العسكرى من يسميهم «المواطنون الشرفاء». من هم؟ ما معايير منحهم هذه الصفات؟ من يمنحهم هذه الصفة ويحرم الباقين منها؟ لا أحد سيجيب طبعا عن هذه الأسئلة، لأن هذه هى عقلية الاستبداد كاملة الأوصاف. عقلية تقسيم المواطن إلى شريف وغير شريف، وطنى وغير وطنى، على معايير غامضة، تدور فقط فى رأس صاحب السلطة. وإذا ضغطت على صاحب هذه السلطة ليقول لك معايرة.. سيقول تهويمات تنطبق على الجميع، وتسحب من الجميع، لأنها تقوم على شىء صلب واحد: المواطن الشريف هو ما تراه السلطة شريفا، وتربيه على مزاجها، وتضعه على كبة ينتظرها مساء لتقول تعليماتها، وتسمح له بغضب قبل العشاء وتوترات بعد الضهر، لكنه ينام ويحمد ربه أن هذه السلطة توفر له بلدا يستحق شرفه. المواطنون الشرفاء هم «شعب» المجلس، كما كانوا شعب مبارك الذين صدقوه عندما قال لهم جهاز إعلامه إن «إسرائيل تقود الثورة ضده فى ميدان التحرير»، وصفقوا له عندما قال إنه بالاستبداد حمى مصر من الهول، وهو نفس منطق صدام حسين الذى قتل ملايين من العراقيين ليحمى المواطنين الشرفاء. من هو المواطن الشريف؟ الذى لا يتظاهر من أجل حقه؟ ومن أجل الحصول على مرتب يكفل له حياة كريمة، بينما كل من يجلس فى كرسى السلطة، ولا كفاءة ولا موهبة، يحصل على مرتبات خرافية تكفى لفتح بيت 10 آلاف من الذين تتدمر حياتهم بسبب عدالة عرجاء؟ هل المواطن الشريف الذى يسكت على عدم المساواة مع ابن بلده فى الحصول على تصاريح بدور عبادة.. وعندما يطالب بالمساواة يصبح متطرفا ويستقوى بالخارج ويدهس تحت دبابة؟ من هو المواطن الشريف؟ الذى لا تزعجه المذيعة المتطرفة المتعصبة للسلطة، ولا سواها، عندما تحرض المواطنين الشرفاء ضد من يطالب بحقه بيده العارية؟ أم هو الذى يرى شخصا غليظا مثل أسامة هيكل يخرج مكشرا عن أنيابه ويفخر بمطارداته لحرية الإعلام دون أن يحرر ماسبيرو من عصابات التضليل؟ لم يقل المجلس من هم المواطنون الشرفاء الذين ينادى عليهم فى بياناته، هل هذه هى شفرة سرية ينادى بها على تنظيم شعبى سرى سيحميه من الثوار؟ هذا ما حدث عدة مرات، بدا فيها المجلس وبتصرفاته الأخيرة ومنذ موقعة العباسية، صانعا للفوضى، عبر تشغيل سلاح البلطجية، وتحفيز جمهوره الذى يسميه «المواطنون الشرفاء» وهم شعب صناعة «الكاكى»، يسيرون خلف تعليمات السلطة مخلصين للسمع والطاعة، ويفتقدون المنطق، هم مع الثورة وضد الثوار، مع التخلص من مبارك ويفتقدونه، مع تحقيق العدالة لكن من دون مظاهرات، مع الاستقرار لكنهم جميعا لهم ذكريات فى التحرير. صانع الفوضى يريد الجميع اللهاث إليه، وطلب حمايتهم من صناعته، هذه هى المحاولة التى أفلتت منه فى ماسبيرو، بسبب تضخم حجم المظاهرة، وجغرافية المكان المركبة، والأهم غياب كفاءة القوات غير المدربة على فض الجموع الكبيرة، والمفتقدة للجهاز السياسى، القادر على إعادة شحن شعب «المواطنون الشرفاء»، ليستمر فى حرب الدفاع عن المجلس. ماسبيرو كانت موقعة مناسبة للحصول على شعبية، فالطرف الآخر واضح والتجييش ضده سهل، أقباط ضد الجيش، يفترون على جنوده، يطلقون النار عليه ويحرقون مركباته، والجيش عاقل وطيب ومظلوم.. باختصار الشعب حول الجيش إلى ضحية. الفشل فى موقعة ماسبيرو حدث بسبب انفلات الوضع بشكل يصعب السيطرة عليه، خصوصا بعدما سقط قتلى، ولم يتوقف الأمر عند إصابات ودماء خفيفة. لكن هناك جزءا من الخطة نجح، وهو عزل الثوار، وكل من يطالب بالحقوق أو يقف فى مواجهة إدارة المجلس، فى نفس يوم المذبحة. اقتحمت الشرطة العسكرية مصنع نسيج فى محافظة المنوفية، لتفض اعتصام عماله بالقوة، بعدها بثلاثة أيام فضت اعتصام «المصرية للاتصالات» بالقوة.. إنها تشير إلى أن «التظاهر» أو الثورة فوضى، بينما لدى المجلس وفى مكان ملحق بطاولة اجتماعاته «ثورة متحضرة» يرعاها، ويدعمها ويحميها ويوعد الشعب بأنه سيقودها إلى مستقبل يشهد به العالم كله.