ثمة ملاحظة أولية يجب أن نتوقف أمامها ونتأملها بروية، فنحن فى عصر السماوات المفتوحة، وانتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكل الأحداث المهمة تُنقل على الهواء مباشرة، ويمكنك أن تشاهدها مسجلة بالصوت والصورة، ورغم كل هذا الوضوح فى متابعة تفاصيل الوقائع، ها نحن نختلف كثيرا حول حقيقة مذبحة يوم الأحد الدامى، التى جرت أحداثها المفجعة أمام أعيننا جميعا! وقد عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة مؤتمرا صحفيا تحدث فيه اللواء محمود حجازى، واللواء عادل عمارة، لكى يشرحا للرأى العام، وللعالم كله حقيقة ما حدث يوم الأحد 9 أكتوبر! وكانت البداية هكذا: «أننا أمام حقائق ليست موضع شك الآن، فهناك مواطنون فقدوا حياتهم، وهناك عناصر شرطة عسكرية لم تطلق نيرانا، وفقا لعقائدها التى نؤكدها مرارا وتكرارا، لا يمكن أن نطلق النيران باتجاه الشعب»، وهذه معضلة بحاجة إلى تفسير، لكن قبل التفسير لا بد من التصحيح أو التدقيق، فهؤلاء المواطنون لم يفقدوا حياتهم صدفة، وإنما استشهدوا بواسطة الدهس بمدرعات الجيش، وبطلقات النيران والخرطوش، وكذلك بالضرب المميت بالسيوف والسنج والمطاوى! ولنبدأ بعمليات الدهس بالمدرعات، فقد علق عليها سيادة اللواء هكذا: «تخيلوا.. جندى أخوكم مصرى تحترق المركبة به، ولا يستطيع الخروج من المركبة، فتخيلوا ماذا سيكون شعور السائق، بعد وضعه فى حالة نفسية غير مسبوقة، وكانت إحدى المركبات تحترق والجنود بداخلها، وقامت بالتحرك، ولا أنكر أن يكون أثناء سير المركبة تم خبط بعض المتظاهرين، وعيب إن مصرى يقول إن ده سلوك ممنهج، وإن فردا من أفراد القوات المسلحة من ضمن تدريبه دهس المتظاهرين»، والحمد لله أنه لا ينكر (خبط) المتظاهرين، ولكنه فى الحقيقة (دهس)، كما أننا فى كل الفيديوهات التى استخدمها اللواء لإقناعنا بصحة ما يقوله، لم نشاهد مدرعة مشتعلة تقوم بدهس المتظاهرين! نأتى بعد ذلك لمن استشهدوا بطلقات الرصاص والخرطوش، فقد أكد اللواء أن جنوده لا يحملون ذخيرة حية، وأن أفراد القوات المسلحة تعرضوا لإصابات بخرطوش مدنى، وطلق نارى! وتوجد آثار الطلقات النارية على حوائط مبنى التليفزيون وفى أعمدة الإنارة، فمن أطلق الرصاص؟ يجيب اللواء أن بعض المتظاهرين وصلوا إلى ماسبيرو حاملين سلاحا، وأنه كان هناك تحريض على اقتحام ماسبيرو! بل ويؤكد أن بعض المتظاهرين كانوا يحملون أنابيب البوتاجاز! وزجاجات المولوتوف، والسيوف، والسنج، و.. و..! ثم يقول سيادة اللواء: «إن القوات المسلحة تدرك أن هناك بعض القوى تسعى إلى ذلك (أى الفوضى والتخريب)، وأن بعض وسائل الإعلام تنشر المعلومات المغلوطة التى تدس الفرقة، وتعمل على زعزعة الاستقرار.» وهذا كلام صحيح، لكن أول من ينشر معلومات مغلوطة تدس الفرقة هو وزير الإعلام نفسه! أما القوى الذى تثير الفوضى، فهى قوى البلطجة، التى يحركها جهاز أمن الدولة (المنحل)، وقد سبق لكم يا سيادة اللواء استخدامهم فى مواقع كثيرة، ونحن جميعا نتذكر موقعة العباسية الشهيرة. فالمتظاهرون لا يحملون أنابيب بوتاجاز ولا أسلحة نارية، وإنما هؤلاء هم البلطجية الذين سمح لهم المجلس العسكرى بترويع الشعب، فى حين أنه قادر على جمعهم فى يوم واحد!