حرب المعلومات هى أشرس الحروب فى هذا العالم وأخطرها، فالمعلومة يمكنها أن تغير تاريخ دول أو تحول مسار حروب كبرى، لهذا كان سقوط الإسرائيليين من مجندين وعملاء وجواسيس وغيرهم بمصر صداعا فى رأس تل أبيب، التى تدرك أن كل لفظ يتفوه به هؤلاء فى معقلهم مسمار يدق فى عرش ما تسميه ب«دعائمها وترسانتها الأمنية»، لهذا تكون صفقات التبادل بين الجانبين هى الحدث الذى يتنفس بسببه الإسرائيليون الصعداء لمعرفة ما تم فقده من معلومات. 1عهد عبد الناصر نجاح مصرى مزدوج باصطياد الجواسيس ومقايضتهم قصة الرعب الإسرائيلى من تسرب المعلومات للقاهرة قصة لا نهاية لها، ففى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، دخل الصراع المصرى الإسرائيلى فى مرحلة ما يسمى ب«حرب الجواسيس». مارسيل نينو، هذا الاسم كانت القضية الأولى والأبرز فى تاريخ تبادل الجواسيس بين القاهرة وتل أبيب، مارسيل الفتاة المصرية اليهودية عرفت بعلاقاتها الواسعة مع بعض ضباط الجيش المصرى فى أواخر حكم الملك فاروق وتم إلقاء القبض عليها عام 1954، بعد تورطها فى تفجير دور السينما بالقاهرة والإسكندرية، فى ما يعرف بفضيحة لافون، وحكم عليها بالسجن 15 عاما، وكان من المقرر أن تنتهى عام 1970، إلا أن عملية التبادل التى جرت بين القاهرة وتل أبيب عام 68 انتهت بالإفراج عنها مقابل تحرير مجموعة من الأسرى المصريين لدى إسرائيل عقب نكسة 1967. حرب الجواسيس بين مصر وإسرائيل، شهدت انتصارات مصرية مزدوجة، فمن ناحية نجحت القاهرة فى الإيقاع بعملاء وجواسيس وجنود إسرائيل، ومن ناحية أخرى كانت تستخدمهم كأوراق ضغط لإعادة أسرانا بمعتقلات تل أبيب، ففى عام 1960 أسقطت المخابرات المصرية 5 شبكات تجسس كان يديرها جهاز الموساد الإسرائيلى، مما انتهى بالإطاحة برئيس الجهاز الاستخبارى من وظيفته ليتم بعد ذلك الجزء الثانى من النجاح باستبدال هؤلاء الجواسيس مقابل الإفراج عن الأسرى المصريين عقب نكسة 67. لفجانج لوتز، اسم قد لا تكون مسامعك تتذكره كثيرا، لكنه كان دليلا دامغا على التفوق المصرى فى اصطياد الجواسيس ومقايضتهم، لوتز كان ألمانيا يهوديا قدم لتل أبيب معلومات تتعلق بصواريخ سام الروسية وموقع بنائها ووجودها فى الجبهة المصرية، لكن رغم من ذلك تم إسقاطه ومقايضته بأكثر من 500 ضابط مصرى تم أسرهم عام 1967. كيبورك يعقوبيان، عنوان آخر للتفوق، فهو الجاسوس الذى زرعته مصر فى الفترة بين عامى 1961 و1964 داخل صفوف الجيش الإسرائيلى، كان هو أيضا بطلا لأحد الانتصارات المزدوجة للقاهرة بعد كشفه عديدا من المعلومات الحربية الخاصة بتل أبيب، وعلى رأسها تحديد موقع مفاعل ديمونة، لكن تل أبيب لم تهنأ بالقبض على يعقوبيان، وعلى طريقة «شهد شاهد من أهلها» أعرب التليفزيون الإسرائيلى فى تقرير له منذ شهور عن أسف تل أبيب وحزنها بسبب إفلات يعقوبيان من قبضتها بعد الحكم عليه عام 1964 بالسجن 18 عاما، فبعدها بعامين اضطرت إلى الإفراج عنه فى صفقة تبادل أسرى هو ومصريين آخرين، مقابل 3 إسرائيليين دخلوا قطاع غزة بالخطأ. 2 أيام السادات لكل عملة وجهان.. غالبية تخدم الوطن وقلة تجاوبت مع العدو لكل عملة وجهان، هذا هو لسان حال عمليات تبادل الجواسيس فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، التى توجت مصر فيها كفاحها بانتصار مصر العسكرى التاريخى على إسرائيل، فى حرب أكتوبر المجيدة. لكن هذه الحرب الميدانية سبقتها حرب من نوع آخر سرية ومن وراء الكواليس، ولسنوات طوال داخل قلاع تل أبيب الأمنية قامت المخابرات المصرية بواسطة أبنائها باقتحام قلب تلك القلاع، ونبش جميع أحشائها الداخلية وجمع كل المعلومات السرية التى تمهد لضربها ضربة على الرأس تسقطها بلا رجعة. ومن بين عديد وعديد من هؤلاء الأبناء، كان الجاسوس آيد الذى ألقت أجهزة تل أبيب الأمنية القبض عليه، بعد أن زرعته القاهرة فى عملية دقيقة داخل إسرائيل، استطاع فيها من بين ما استطاع اختراق منزل موشيه ديان وزير الدفاع ذاته. «مستندات عسكرية، معلومات عن المطارات الحربية الإسرائيلية فى سيناء، النقاط الحصينة بخط بارليف، شبكة مواسير النابالم الحارق فى قناة السويس»، كل تلك المستندات العسكرية الخطيرة استطاع آيد إيصالها إلى السلطات المصرية، وعلى الرغم من التعذيب الشديد الذى لاقاه فإنه أنكر تعامله مع المخابرات المصرية ولم يعرف الإسرائيليون حجم التسريب الذى حدث بمنظومتهم الأمنية، ليتم الإفراج عن آيد بعد ذلك بطلب من الرئيس السادات فى صفقة تبادلية مع أسرى مصريين آخرين مقابل إطلاق سراح معتقلين إسرائيليين، وفى عام 74 قامت مصر بإعادة 65 أسيرا مصريا وفلسطينيا مقابل إطلاق سراح جاسوسين إسرائيليين. الوجه الآخر للعملة يظهر بعيدا عن أغلبية الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم فى الحرب، لتظهر القلة الخائنة التى تطعن الشعب فى ظهره وتتعاون مع الأعداء، وتقبل التخابر لصالحهم، من بين هؤلاء الجاسوسة انشراح على موسى، التى وافق الرئيس السادات على مبادلتها بأسرى مصريين بعد إدانتها والحكم عليها بالإعدام هى وزوجها إبراهيم سعيد شاهين، الذى نفذ فيه الحكم. وهناك أيضا هبة سليم، التى كانت جولدا مائير رئيس حكومة تل أبيب تُثنى عليها، واصفة إياها بأنها قدمت خدمات لإسرائيل أكثر مما قدمه زعماء الأخيرة أنفسهم لها، ونفذ فيها حكم الإعدام رغم محاولات واشنطن وتل أبيب إطلاق سراحها فى صفقة تبادل للأسرى. 3 سنوات المخلوع أى مصرى هاتسأله هيقولك عزام عزام إذا توجهت بالسؤال لأى مواطن مصرى الآن وسألته عن أشهر صفقة تبادل للأسرى حدثت خلال ال30 عاما الأخيرة، لن تندهش إذا وجدت على ألسنة كثيرة اسم عزام عزام، جاسوس تل أبيب الذى اعتقلته القاهرة عام 1996، وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، بعد محاولته القيام بجمع معلومات عن المصانع المصرية بالمدن الجديدة، ليتم الإفراج عنه بعد ذلك فى عام 2004 وقبل 8 سنوات من موعد انتهاء العقوبة عام 2012، مقابل الإفراج عن 6 طلاب مصريين اعتقلتهم إسرائيل فى أثناء عبورهم الحدود المصرية الإسرائيلية، وبعد الإفراج عنه استقبله رئيس الوزراء السابق آريل شارون فى إسرائيل استقبال الأبطال. فارس مصراتى نموذج آخر للفئة الخائنة التى قبلت العمل لصالح الموساد، كانت أجهزة الأمن المصرية قد ألقت القبض على شبكة آل مصراتى، التى تضم فارس وابنته فائقة وابنه ماجد وشريكهم ضابط الموساد ديفيد أوفيتس، وبعد أشهر من محاكمة عائلة مصراتى قامت القاهرة بالإفراج عنهم وتسليمهم إلى السلطات الإسرائيلية، وتردد وقتها أن مصر بادلتهم ب18 مصريا كانوا مسجونين فى سجون تل أبيب. لكن وبعيدا عن قضية عزام عزام وفارس مصراتى، هناك وفى داخل أروقة المؤسسات الأمنية والسياسية والعسكرية بتل أبيب ما زالت هناك أحلام يقظة لإتمام صفقات تبادل أخرى مع القاهرة، من بينها ما صدعت به تل أبيب رأسنا وهو البدوى عودة ترابين، الذى اعتقلته مصر بعد إدانته بالتجسس قبل أكثر من 10 سنوات وتمت محاكمته، فوسائل الإعلام العبرية لا تكف بين الحين والآخر ،ولا تنتهى تقاريرها عن رغبة تل أبيب فى أن تفرج عنه القاهرة، وهو الأمر الذى يتولاه أيوب قرا نائب بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى نفسه.