هناك أشخاص تموت سيرتهم بمجرد موت أجسادهم ودفنها، وهناك أشخاص تظل سيرتهم خالدة بعد مماتهم كأنهم أحياء، هذا أول ما يخطر ببال أى شخص يزور مسجد الخازندارة بشبرا مصر عندما تقترب من دوران شبرا، تحديدا بين محطتى روض الفرج وسانت تريزا، ستجد مئذنة شاهقة الارتفاع، وبالاقتراب منها تجد نفسك واقفا أمام جزء من التاريخ الذى يحكى قصة امرأة وصفها الإمام الغزالى بأنها "امرأة بألف رجل أقرضت الله قرضا حسنا وادخرت عنده ما ينضر وجهها"، وهى خديجة هانم الخازندارة، التى تركت بصمة لا تمحى فى منطقة شبرا مصر، قد لا يعرف الكثيرون من هى خديجة هانم الخازندارة، ولكن هناك من تشبع بعلوم الدين بفضل ما أقامته هذه السيدة من مؤسسات ما زالت تنفع المسلمين حتى الآن، وتسهم فى نشر الخير وعلوم الدين. تاريخ المسجد أنشأت خديجة هانم الخازندارة المسجد كجامعة تضم كلية أصول الدين، ودار أيتام، ومستشفى، ومعهدا دينيا، وجميعها يحمل اسم "الخازندارة"، وتأسس المسجد فى عهد السلطان فؤاد الأول عام 1924م، تخرج في الكلية العديد من علماء الدين، وفى الدور الثانى من مسجد الخازندارة مكان كان مخصصا لصلاة الملك فاروق. يقول تاريخ المسجد أنشأت خديجة هانم الخازندارة المسجد كجامعة تضم كلية أصول الدين، ودار أيتام، ومستشفى، ومعهدا دينيا، وجميعها يحمل اسم "الخازندارة"، وتأسس المسجد فى عهد السلطان فؤاد الأول عام 1924م، تخرج في الكلية العديد من علماء الدين، وفى الدور الثانى من مسجد الخازندارة مكان كان مخصصا لصلاة الملك فاروق. يقول الشيخ محمد الغزالى فى مقال له عن الخازندارة "لا أزال أذكر منظر الشيخ أمين خطاب الرئيس الثانى للجماعة الشرعية بمصر، وهو يلقى الدروس في (علل الحديث)، وكان رحمة الله رجلا بكاء شديد الخشية لله، يلتف حوله طلبته كأنهم في صلاة خاشعة!! على أن أعداد الطلبة زادت هنا وهناك، وربا الإحساس بضرورة البحث عن مكان أوسع! وهنا سمعت من يقول: إنهم سوف يضمون مبنى الملجأ إلى الكلية، ولم أسمع ما هناك ثم أدركت أن السيدة المحسنة بنت ملجأ للأيتام يؤويهم ويغذوهم ويكسوهم، ورصدت لذلك من مالها ما يسع حاجة المحتاجين! ولأمر ما لم تنفذ هذه الوصية، وقال أحد الساخرين: لعله لا يوجد يتامى! وأحسست أنا أن جملة من الأهداف النبيلة تضيع في فوضى التنفيذ وسوء الرقابة وفقدان العلاقة بالله. إن الواقفين فعلوا الكثير، بيد أن المنفذين فرطوا وخانوا. ولما كانت مصائب قوم فوائد عند قوم، فقد انتقلنا نحن إلى مبنى الملجأ الخالى وتلقينا دروسنا في قاعاته الخالية". واستطرد الغزالى قائلا: "فى أثناء تلقينا الدروس بمبنى الخازندارة بدأنا نسمع ضجيج بناء عمارة كبيرة فتساءلنا، ما هذا؟ قالوا: مستشفى الخازندارة! الحق إنى دعوت من أعماق قلبى للمرأة الصالحة تبنى معهدا ومسجدا وملجأ ومستشفى؟ تنشر العلم وتحمى العبادة وتربى اليتامى وتداوى المرضى، أى قلب زكى فى صدر هذه المرأة التى أقرضت الله قرضا حسنا، وادخرت عنده ما ينضر وجهها. (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجرى من تحتها الأنهار)، الواقع أن النساء الصالحات كثر في تاريخنا، ما بخلن بمال ولا وقت في سبيل الله، وقد أدين في صمت ما يعجز عنه الكثيرون، ويستطيع الباحثون في بطون التواريخ أن يجدوا أسماء متوارية محرومة من الشهرة، لها عند الله مكانة رفيعة لا ينالها غيرهم، رحم الله الخازندارة التى استودعت الله مالها، وجاهدت فى سبيله بتقديم الدواء للمرضى، والزاد للجياع، والعلم لطلابه، وألهم الرجال والنساء أن يتأسوا بها". إمام المسجد الشيخ عزت ياسين أحمد، إمام مسجد الخازندارة، قال ل"التحرير"، إن عمر المسجد تخطى المائة عام، بنى فى عهد السلطان فؤاد الأول عام 1924، وقبل تأسيس المسجد كان عبارة عن كلية أصول الدين، تخرج فيها علماء الدين، من بينهم الشيخ محمد سيد طنطاوى شيخ الأزهر السابق، والشيخ عبد الرحمن الديك. وأضاف ياسين أن خديجة هانم الخازندارة أصولها تركية، ووقفت مالها لله، لافتا إلى أنه ألقى خطبة عنها على المنبر، حتى يعرف الجميع دورها وتاريخها المشرف، وإسهاماتها فى الحضارة الإسلامية. وقال ياسين إن المسجد الآن على مدرسة علمية يعمل بها عدد من الأساتذة حاملى درجة الدكتوراه، ومدرسة قرآنية بها ثلاثة محفظين، والمدرسة العلمية تعمل على تدريس خمسة كتب من الكتب الشرعية، وهى كتاب الحكم العطائية، وكتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد، وكتاب تدريب الراوى، وكتاب المنتخب فى التفسير، وكتاب الشمائل المحمدية. وأشار إمام المسجد إلى أن هناك ركنة فى الدور الثانى، كانت مخصصة للملك فاروق لأداء الصلاة بداخلها، وهى الآن مغلقة، مشيرا إلى أن الملك فاروق كان يتردد كثيرا على المسجد للصلاة فى المكان المخصص له. رواد المسجد محمد زين، أحد رواد المسجد منذ ما يقرب من 40 عاما، قال ل"التحرير"، إن مسجد الخازندارة يحمل بداخله تاريخا عظيما، فهو ليس مجرد مسجد بل صرح علمى كبير، يعلم الناس علوم الدين وأصول الشريعة، ويقبل عليها المئات من المواطنين للصلاة وتزداد الأعداد فى شهر رمضان خلال صلاة التراويح. وأضاف زين أن المسجد تردد عليه شيوخ عظماء على مدى تاريخه، منهم الشيخ نصر الدين طوبار، الذى كان يقرأ سورة الجمعة دائما بمسجد الخازندارة، وكان من سكان شبرا، والشيخ عطية صقر، الذى ألقى العديد من الخطب فى مسجد الخازندارة، والشيخ على شحاتة، والشيخ عبد الرحمن الديك. وأشار زين إلى أن مسجد الخازندارة من المساجد التى تشهد إقبالا كثيفا من الموطنين، خلال صلاة التراويح، فتاريخ المسجد ومساهمته فى نشر علوم الدين، جعله قبلة المواطنين فى شبرا ومن مناطق أخرى أيضا. ماذا قال الغزالى عن الخازندارة؟ وصف الشيخ محمد الغزالى خديجة هانم الخازندارة فى مقال له بأنها امرأة بألف رجل، واستطرد قائلا: "أجيال كبيرة من علماء الأزهر الذين تخرجوا في كلية أصول الدين مدينون أدبيا وماديا لامرأة محسنة وقفت مالها لله، وأنشأت منه مؤسسات يتفجر الخير منها منذ عشرات السنين، وسيبقى كذلك ما شاء الله، وأنا واحد من هؤلاء الذين نالهم ذلك العطاء الدافق، فقد انتظمت بين طلاب هذه الكلية من نصف قرن أو يزيد، وتلقيت الدروس من أفواه جملة من أكابر علماء الأزهر وقادة الفكر الإسلامى أتيحت لهم فرصة التعليم في قاعات المبنى الذى أنشأته الخازندارة ملحقا بمسجدها الجامع الفخم". ويقول الشيخ الغزالى فى مقاله أيضا: "إن الدراسة كانت تبدأ أول العام بحفل مائج في المسجد الكبير نستمع فيه إلى توجيه أن نطلب العلم لله لا لدنيا نصيبها أو جاه نستحبه، مع تذكير بأئمة العلم الإسلامى وجهادهم الزاكى في تربية الشعوب وحياطة الحق، ثم يذهب كل منا إلى صفه وفى نفسه قول أبى العلاء في صفة فقيه حنفى: أنفق العمر ناسكا يطلب العلم ببحث عن أصله واجتهاد". وعن سبب عدم شهرة خديجة الخازندارة، قال الشيخ الغزالى فى مقاله "إن البيئات التى عشنا فيها قديما تواضعت على كتمان أسماء النساء، فلا يجوز أن يذكر اسم الأم ولا اسم الزوجة، فذلك عيب لا يقع فيه أهل الإيمان لعل الاسم عورة كما أن الصوت عورة، هل الدين باعث هذا الشعور؟ كلا ففى أول البعثة الشريفة صاح النبى الكريم على الصفا كما ذكرنا من قبل مناديا صفية بنت عبد المطلب، وفاطمة بنت محمد يدعوهما إلى معرفة الله والإيمان به وحده! ولم يكن ذكر أسماء النساء عيبا ولا موضع لغط!