فى عشرينيات القرن العشرين، كانت أمريكا مثالا للفوضى، حيث سيطرت عليها عصابات وتنظيمات إجرامية مختلفة، وانتشر الفساد فيها، بين رجال الشرطة، والقضاء، وحتى أعضاء الكونجرس، وعانت من أزمات مالية طاحنة، رفعت معدلات الانتحار، إلى درجة مفزعة، وتصور الكل أنها ستبقى هكذا إلى الأبد، مع اليأس الذى انتابهم، مع انتشار الفساد والفوضى، ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية غير كل شىء، وحتم فرض النظام داخل البلاد، وأسهمت الصحافة الحرة بنصيب كبير، فى كشف الفساد، وتعبئة الشعب ضده، وعلت قيمة العلم، لما يحققه من إبداع وابتكار، وما حسم به الحرب، من اختراع القنبلة الذرية، التى رفعت أمريكا إلى مصاف الدول العظمى، وقلبت الموازين فى العالم كله... بعدها بدأ الشعب الأمريكى يتغير، لأن الناس تصبح مؤهلة للتغيير، عندما تمتلئ بشعور النصر والقوة... وحتى هذا لم يكن سريعا، وإنما استغرق سنوات وسنوات، فحتى فى سبعينيات القرن العشرين، اعتدت الشرطة على رجل أسود، فى قلب الشارع، ونجح أحد المواطنين فى تصوير الواقعة، فقامت الدنيا ولم تقعد، حتى تمت محاكمة رجال الشرطة المخطئين، وإقالتهم من عملهم... وهذا أمر طبيعى، فالناس لا تتغير بين عشية وضحاها، بل يحتاج الأمر حتما إلى بعض الوقت، الذى يطول أو يقصر، وفقا لطبيعة الشعب، وطبيعة المؤثرات الخارجية، الداعية إلى التغيير، وأقواها بالطبع القوانين الرادعة، التى يتم تطبيقها على الجميع، ودون أى استثناءات... وإذا ما كنا نريد حقا أن نتغير، فلا بد لنا فى البداية من أن نضع برنامجا مدروسا وعمليا، لتطوير نظم التعليم، وتحويلها من حالة التلقين المباشر، التى سادت كل مناهج التعليم لعشرات السنين، إلى حالة التفكير والابتكار، التى يمكنها أن تصنع مستقبلا واعدا، وهذا يحتم الخروج من الحالة الأنبوبية فى التعليم، ونظم وضع الأسئلة والامتحانات، إلى حالة جديدة، تتناسب مع طرق التعليم الحديثة، فى الدول التى سبقتنا، فى ركب التطور، وإضافة بعض الأساسيات الحياتية إلى المناهج الدراسية، مثل قواعد المرور، وفوائد النظام، وضرورة الحفاظ على البيئة، واحترام آراء الغير، مع منح العلم مساحة كبيرة، تسمح بتطوير العقول، واكتشاف العباقرة والمبدعين، ورعايتهم، وحسن توجيه مواهبهم، ومن الضرورى أيضا، أن تهتم كل المدارس بحصص الهوايات، التى كانت أساسا لا حياد عنه، فى المناهج القديمة، مما يستلزم معه تخفيف الضغط عن الطلاب، فى مختلف المراحل التعليمية، وتحديث المناهج، التى تمتلئ بالأخطاء العلمية، والنظريات القديمة، التى محَتها نظريات أحدث، أو عدلتها نظريات أفضل، وإلا فصغارنا سينشَؤون منفصلين عن عالمهم، لا نفع منهم لمجتمعهم، ولا فائدة منهم للمستقبل، ولا حتى لسوق العمل فى ما بعد... وما زال للحديث بقية.