1الترويع الاقتصادي يبدو كأنه صار أقوى الأسلحة وأمضاها لتحقيق هدف بعض القطعان التي سكنت واستفادت من خرابة حسني مبارك في تخويف المصريين وإرعابهم وإجبارهم على الانصراف والعودة مهرولين إلى محل إقامتهم الدائم في قلب اليأس والبؤس والخنوع، بينما هم يعضون بنان الندم بأنهم انتفضوا وثاروا على أوضاعهم المزرية وحكامهم المجرمين الحرامية وأسقطوهم. وانظر حضرتك ماذا يقال الآن ونوع الخطاب الذي يهلفط به أبواق القطيع السارحة حاليا على شاشات التلفزة وصفحات الصحف، ولا هم لها ولا شغلانة إلا التشهير بشباب الثوار الذين اضطروا للعودة إلى ميادين التحرير بعدما زهقوا وطفح بهم الكيل من البلادة والمراوغة والتباطؤ غير المبرر في تنفيذ المطالب والأهداف العاجلة التي ثار المصريون ودفعوا الدم الغالي من أجلها. هذه القطعان لا تحدثك أبدا في الموضوع، ولا تقول شيئا في أسباب التأزيم والاحتقان التي دفعت بمئات الآلاف مجددا إلى الشوارع، ولا تقترب قيد أنملة (الأنملة هي عقلة الإصبع، أما «القيد» فأنت تعرفه جيدا) من أهل الحكم القائم حاليا، باعتبارهم المسؤول الوحيد عن هذا الاحتقان وعن تفاقم أسبابه، وإنما هم فورا وحصرا يحدثونك عن «عجلة» الإنتاج التي تتعطل و«الوضع» الاقتصادي الذي يسوء من دون «حمل»، والاستثمارات التي تهرب وتغضب وتعود لبيت باباها، والبطالة التي تزيد (طبعا البطالة كانت تقل قبل الثورة!) والبورصة التي تنزف يا حرام، دما من أنف حضرتها.. إلى آخر الكلام الفارغ الذي نسمعه هذه الأيام. طبعا الهدف من مثل هذه الهلفطة الجاهلة واضح، إذ هي محاولة خبيثة، ليس فقط لاستعداء بسطاء الناس وإثارة نقمتهم على الثورة والثوار معا، بل أكثر من ذلك زرع وعي مشوش ومشوه في أذهان جمهور خرج للتو من تأبيدة الديكتاتورية وثقافتها من خلال تصوير وسائل التعبير عن الرأي والاحتجاج السلمي على أنها قرين الفوضى وطريق الخراب، وهي بالإجمال شر مستطير وحاجة عيب جدا قوي خالص. ولو أن هذا النوع من الهلفطة مجرد تجلٍ ممجوج للجهل وانحطاط القدرات العقلية والمعرفية، لكان الأمر هينا وما كان هناك داعٍ لأي لوم إلا لمسؤولي المنابر الإعلامية التعبانة التي تسمح لجهلة لم يكملوا تعليمهم بالعبث في عقول الناس، غير أن ما يثير الغيظ والاشمئزاز أن نسبة غالبة من القطيع المذكور أعلاه ممن أكملوا تعليمهم للأسف من مال الشعب المصري، ومن ثم هم يعرفون ويفهمون جيدا أن لا تأثير سلبيا لفاعليات الاحتجاج الديمقراطي السلمي المنضبط على أي اقتصاد طبيعي رشيد، إلا إذا كان «اقتصاد حرامية» يقوم على النشل والنهب والتبعية، دليل ذلك أن أقوى بلدان الكوكب اقتصاديا لا يكاد يمر يوم أو ساعة عليها إلا وتشهد شوارعها ومدنها فاعلية أو أكثر من فاعليات الاحتجاج المتفاوتة الشدة والصخب، ولم نسمع أن واحدا يوحد ربنا في هذه البلدان لطم خدوده وشق جيوبه حزنا على «العجلة» والاستثمارات والبلح الأمهات وخلافه. إن هذا القطيع الكذاب المدلس يعرف أيضا ويعي تماما أن ازدهار ونهوض الاقتصاد أو انحطاطه يبدأ من السياسة، وليس العكس، وأن الحكام هم المسؤولون وحدهم عن حاله وأحواله، وأن مناخ الاحتقان السياسي وإشاعة أجواء الشك والاضطراب وعدم الثقة (التي لا شك تسمم بيئة الاقتصاد) هو أيضا مسؤولية حصرية يبوء بها المتربعون على عرش السلطة، لأن هؤلاء بالتعريف والوظيفة والواقع، هم من يقودون سفينة الدولة والمجتمع فإذا فشلوا أو أخفقوا في علاج أسباب التوتر والاحتقان، فهم الأحق باللوم والتقريع (بل والخلع لو أمكن) وليس الشارع الغاضب وجمهوره.. فهل ممكن يا ضلالية تخرسوا وتنقطونا بسكاتكم شوية؟