ينظر الرجل العجوز بعيون متعاطفة من أعلى فتحة المركب إلى المرأة الحامل التى ترضع طفلها، ويختفى وجهه فجأة حينما يعبر المركب أسفل كوبرى يحجب النور ويبتلع المشهد كله فى ظلام دامس، إنها لحظة موت أو نهاية حياة تسلم عصا السباق إلى جنين بداية جديدة، هذا المشهد الموحى ومشاهد أخرى شبيهة تشكل ملامح مميزة لفيلم المسافر، الذى وصل إلى محطته الأخيرة فى دور العرض بعد رحلة طويلة فى قاعات المهرجانات.
ربما لا يكون الفيلم عملا جماهيريا يتزاحم الجمهور أمام شباك التذاكر للحصول على تذكرته، لكن هذا لا يمنع أنه يحمل تجربة ذات خصوصية لمخرج شاب طموح هو أحمد ماهر، هو فيلم للخاصة ممن يتذوقون سينما تتحدث بلغة بصرية وتشكيلية غير لغة التسلية العابرة، هو أيضا فيلم يقدم حالة «ميتافيزيقية» ساخرة ومقبضة تحتاح إلى مشاهد متسع الصدر والخيال، مستعد لمشاهدة سينما تجريدية بعيدة عن القصص والحواديت التقليدية.
لغة الصورة مكثفة وتحمل كثيرا من الرمزية وحالة تتراوح بين الأحلام التى تتجاوز المنطق، والكوابيس المقبضة التى تجلو الضباب عن هذه العلاقة الغامضة بين الإنسان والزمن والحياة، والأهم «الموت». والموت هنا هو نهاية كل طريق تذهب إليه خيوط سيناريو الفيلم الذى قسم حياة البطل إلى ثلاثة أقسام يرصدها فى ثلاثة أيام، تحمل تواريخ لها دلالة سياسية (نكبة فلسطين 1948، وانتصار 1973، وانهيار البرجين 2001)، (الحب والجنس والغيرة والأبوة والحنين والمغامرة وحب البقاء والخوف من العالم الآخر) هى مفردات الفيلم، ذكريات البطل تضررت بسبب الشيخوخة والنسيان، أو هى ذكريات محتضر بين الموت والحياة. الفيلم تألق فى مشاهد كثيرة مدهشة، وأصابته رتابة فى مشاهد أخرى، خصوصا الجزء الأوسط من الفيلم الذى عابه مبالغة فى أداء خالد النبوى، خصوصا وهو يقلد عمر الشريف.