لأن زحام المواقع الإلكترونية والجرائد والبرامج التليفزيونية فاق قدراتي على المتابعة، ولأنني أشعر بالذنب الشديد لو فاتني شيء لم أتابعه قبل أن أكتب عمودي اليومي، ابتكرت طرقا لتوفير الوقت والطاقة، إحدى هذه الطرق هي ألا أفتح فيديو على موقع وأكتفي بما أقرؤه من تعليقات عليه أو ما تحكيه لي صديقة متخصصة في فتح الفيديوهات. ما الذي جعلني أمس أضغط على سهم فيديو مكتوب عليه تحذير من أنه يحتوي على مشاهد مؤلمة؟ لا أعرف. شاهدت الفيديو الموجود على موقع «البديل» الإلكتروني من دون قرار واع، وتألمت أقصى درجات الألم، تألمت إلى درجة الشلل. فكرت أن أشارك به في صفحتي على «فيسبوك» ليراه أصدقائي وأن أكتب تعليقا عليه «تألموا.. لأننا نحتاج إلى الألم»، ثم تراجعت، فكرت أن أقترح على من يستطيع أن يعرضه في التليفزيونات أو ربما على شاشة كبيرة في ميدان التحرير، ثم عدت للتراجع. الفيديو يعرض مشاهد لسيارة مدرعة تسير بسرعة مذهلة وسط مظاهرة في العجمي يوم 28 يناير وتصدم شابا نعرف في ما بعد أن اسمه إسلام رفعت، ثم تختفي السيارة ويتدافع الناس نحو المصاب ويحملونه ويصرخون، فأصرخ معهم، لأن رأس الشاب خرج كله من جمجمته التي تحولت إلى قطعة سوداء مدلاة. شاهدت الفيديو تألمت.. لم أفعل أي شيء.. انخرطت في حياتي العادية.. لكن ظل المشهد يطاردني وما زال. لا أرغب في نسيانه.. أعتبر أن الألم هو أقل ما يمكن أن أدفعه ثمنا لعدم قدرتي على فعل شيء. أقضي ساعتين في ميدان التحرير، أستمتع بنسمات الحرية في عز الحر. وأغني مع أهل الميدان (كلهم قد نام مؤديا الفرض.. تحت هذا الليل وهذه الأرض.. قالوا للأحلام ماتقلقشي). ■■■ بالونة اللواء الفنجري وزيرا للداخلية، مسلية. لم أفهمها على أنها محاولة لقياس الرأي العام الشعبي إذا كان يوافق أم يرفض تولي عسكري منصب وزير الداخلية، (لأنه لا أحد يهتم بقياس الرأي العام قبل اتخاذ أي قرار، وإلا كان المجلس العسكري أطلق بالونة أو حتى تسريبات قبل إعادة منصب وزير الإعلام، وقبل حلف اليمين، وهو ما لم يحدث إطلاقا). فهمتها على أنها رسالة من المجلس العسكري موجهة لرجال الداخلية المتمردين والمهددين والمستقويين والراغبين في الانتقام، رسالة تقول إن المجلس العسكري قادر على السيطرة بطريقته الخاصه، فأبسط شخص في مصر يعرف طبيعة العلاقة القديمة بين الجيش والشرطة، وما بين الجهتين من حساسيات. والرسالة تحمل بين سطورها طمأنة للشعب غير مباشرة باختيار اسم الرجل المحبوب صاحب تحية الشهداء، ربما يعتقد الشعب أن من أدى التحية للشهداء سيساعد في تنفيذ القصاص من أجلهم. الطريف في ما حدث أن الشعب الرائع الراقي، سواء فهم الرسالة مثلي، أم فهمها بطريقة أخرى استبق رجال الشرطة ولم يرحب بالفكرة أصلا. بالمناسبة الشعب يقول لبعضه من أول يوم في الثورة إن المجلس العسكري أكيد سيستغل مشهد اللواء الفنجري المؤثر عاطفيا بشكل أو بآخر في موقف ما. ويرد الشعب على بعضه: أيوة أكيد. ويتفق الشعب على الرغبة الشديدة في أن يظل صاحب مشهد تحية الشهداء بعيدا حتى لا تمحو المشاهد بعضها. الشعب لا يريد الانتقام، الشعب يريد القصاص العادل. الشعب لا يخاف لا من بطش الداخلية ولا بطش العسكر.. أهم إنجازات الثورة أن الشعب لم يعد يخاف شيئا. وعلى فكرة، لكل من يهمه الأمر، الشعب يريد وزراء من الشعب.. مدنيين.. ثوريين بشرط أن يكون لديهم صلاحيات كاملة. والشعب يريد أن يكون هو القوة الوحيدة المحركة والمحاسبة لهؤلاء الوزراء. و.. قولوا للأحلام ماتقلقشي.