في يوليو الماضي، انتشر مقطع فيديو مروع على وسائل التواصل الاجتماعي، يُظهر امرأتين وطفلين صغيرين يقادان تحت تهديد السلاح من قبل مجموعة من الجنود الكاميرونيين، وأجبروا الأسرى الذين كانوا معصوبو العينين على الجلوس أرضا، وأطلق الجنود النار عليهم 22 مرة. شككت حكومة الكاميرون في البداية في صحة الفيديو ووصفته بأنه "أخبار مزيفة"، لكن تمكنت شبكة "بي بي سي" البريطانية، من خلال التحليل الفني للقطات، من إثبات تورط الجيش الكاميروني في الحادث. الفيديو يلقى الضوء على أحدث الحروب الأهلية في أفريقيا، التي اندلعت في جنوب غرب الكاميرون، حيث يواجه مقاتلي مجموعة "التنين الأحمر" الجيش الكاميروني، للانفصال عن البلاد. وأشارت صحيفة "تليجراف" البريطانية، إلى أن السبب وراء رغبة أكثر من خمسة ملايين كاميروني في الانفصال عن البلاد هي "اللغة"، حيث يتحدثون الإنجليزية في بلد "فراكفوني"، مما يجعلهم أقلية. فبعد عقود من الشكوى من اعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، يقاتل المتحدثين بالإنجليزية في الكاميرون الآن من أجل الحصول على وطن مستقل أطلقوا عليه اسم "أمبازونيا"، وهو مطلب لم يرق للرئيس بول بيا، الذي يحكم البلاد منذ عام 1982. وشهدت الليلة الماضية بدء حظر تجول أمنى لمدة يومين فى المناطق الناطقة بالإنجليزية، قبيل ذكرى إعلان "الاستقلال" الرمزي الذى أصدرته الجماعات الانفصالية فى العام الماضى، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى اندماج الكاميرون الإنجليزية والفرنسية رسميًا، في الأول من أكتوبر عام 1961. ودعا الانفصاليون، أيضًا، إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها يوم 7 أكتوبر الجاري، حيث يسعى "بيا" وهو أقدم رئيس في أفريقيا، والبالغ من العمر 87 عامًا، إلى إعادة انتخابه للولاية السابعة. اقرأ المزيد: «بيافرا » و«أمبازونيا».. هل يتجاهل العالم دعوات الاستقلال في إفريقيا؟ وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن أحداث العنف اندلعت للمرة الأولى قبل عامين، عندما احتج المحامون الناطقون بالإنجليزية في الكاميرون، ضد خطط الحكومة لتعيين قضاة ناطقين بالفرنسية في نظامهم القانوني البريطاني. الاحتجاجات قوبلت بعنف بناء على أوامر من "بيا"، ولكن في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت مقاطع الفيديو التي تصور أعمال القمع، ما تسبب في إثارة المظالم التي تم تجاهلها منذ نصف قرن. ومنذ ذلك الحين، نظم المحامون والمعلمون والنقابيون، إضرابات عامة أطلقوا عليها أيام "مدينة الأشباح" حيث تتوقف خلالها الأعمال في المنطقة الناطقة بالإنجليزية بشكل كامل. وظهرت العشرات من الجماعات الانفصالية المسلحة مثل "التنين الأحمر"، والتي رد عليها الرئيس الكاميروني بمزيد من الإجراءات الأمنية، ونتيجة لذلك، تحول ما بدأ كصراع سياسي صغير إلى حربًا أهلية الآن، قُتل فيها نحو 600 شخص في العام الماضي، وفر ما يقرب من 40 ألف لاجئ إلى نيجيريا، في حين تشرد 160 ألف آخرين داخل الكاميرون، في الوقت الذي شنت فيه قوات الأمن حملات تمشيطية مشددة بحثًا عن المحرضين. وتتهم جماعات حقوق الإنسان الجيش الكاميروني، بإحراق عشرات القرى، وأحيانًا مع وجود السكان بداخلها، حيث وصفت جمعية "كاريتاس" الخيرية، التي تساعد اللاجئين على جانبي الحدود، الأزمة بأنها "كارثية". وترى "تليجراف"، أنه بعد هذه التجاوزات من الحكومة الكاميرونية، لا عجب في رغبة العديد من المتحدثين بالإنجليزية في الكاميرون، في الانفصال عن "لا ريبابليك" الاسم الذي يطلقونه على الكاميرون، واعتبار "أمبازونيا" دولتهم الخاصة. اقرأ المزيد: جنوب السودان.. أزمة متصاعدة وعنف ينذر بحرب أهلية وسمى المتحدثون بالإنجليزية دولتهم بهذا الاسم تيمنًا بخليج "أمباز"، وهو عبارة عن خليج صغير على خليج غينيا، ويعتبرونه حدود دولتهم الجديدة. ويقول روبرت إينو، أحد المقاتلين مع جماعة "التنين الأحمر" الذي هرب إلى نيجيريا الشهر الماضي، بعد أن بدأت الشرطة الكاميرونية في البحث عنه، إنه "في البداية كنا نريد الحوار فقط، لكن كل مرة كانت الحكومة تهاجمنا"، وأضاف "لن نقبل الآن بأي شيء أقل من الاستقلال الكامل". ويعد الصراع اللغوي في الكاميرون، إرث من الحقبة الاستعمارية قبل نصف قرن، عندما عُرض على ما كان يعرف آنذاك "الكاميرونالجنوبي"، الذي كان يديره البريطانيون، استفتاءً إما أن يصبح جزءًا من نيجيريا أو يتم دمجه في الكاميرون المتحدثة بالفرنسية. وتم استبعاد خيار الاستقلال عن ورقة الاقتراع، لأن بريطانيا كانت تعتقد أن المنطقة صغيرة للغاية، ولن تستطيع إدارة شؤونها بمفردها، وجاء التصويت لصالح الانضمام إلى القسم الناطق بالفرنسية، والذي كان في ذلك الوقت أكثر ازدهارًا. لكن منذ ذلك الحين، اشتكى المتحدثون بالإنجليزية من نقص الاستثمار في منطقتهم، وسيطرة المتحدثون بالفرنسية على الحكومة، وفي عام 1984، عدّل "بيا" علم الكاميرون، وأزال النجمة الثانية منه، والذي كان يعتبره المتحدثون بالإنجليزية أنه يرمز إلى "جزءهم" من البلاد. وتقول الصحيفة إن قدرات الانفصاليين، لا تقارن بقوات الجيش الكاميروني المدربة على يد القوات الفرنسية، التي تواجه موجة من الانتقادات لإعدام مدنيين بداعي أنهم مقاتلين في جماعة "بوكو حرام" الإرهابية. إلا أن الانفصاليون أيضًا اتهموا بارتكاب أعمال وحشية، وذلك بعد أن انتشرت مقاطع فيديو الشهر الماضي، يظهرون فيها وهم يقطعون رأس جندي، حيث اعترف "إينو" أن خطف وتعذيب الجنود كان ضروريًا في بعض الأحيان، مؤكدًا "أننا نستخدم القوة لحملهم على إخبارنا عن القرية التي سيهاجمونها بعد ذلك، ثم نقتلهم عادة". اقرأ المزيد: بابا الفاتيكان يدعو للصلاة لأجل أفريقيا الوسطى.. ومخاوف من الاشتباكات الطائفية وأثارت مثل هذه البلاغات قلق الدبلوماسيين الذين يقولون إن عدد القتلى المنخفض نسبيًا، لا يعكس الطريقة الوحشية التي تصاعد بها الصراع. ووسط ضغوط من بريطانيا وفرنسا وأمريكا، أدخل "بيا" بعض الإصلاحات لتحسين تمثيل الناطقين بالإنجليزية في الحكم، لكن المسؤولين الغربيين يخشون من أنه إذا لم يقدم المزيد من التنازلات بسرعة، فقد يكون الوقت قد مر. وتتمثل إحدى المشاكل في أنه إذا ما استجابت حكومة "بيا" إلى مظالم الناطقين بالإنجليزية، فقد تواجه أيضًا مطالب من مجموعات أخرى ساخطة، مشكلة أخرى، تتمثل في أن الدعوات إلى استقلال "أمازونيا" لن تحظى بتأييد كبير من المجتمع الدولي، الذي لا يدعم إنشاء دول جديدة. ومع ذلك، ترى "تليجراف" أنه حتى لو لم تكن "أمازونيا" موجودة رسميًا، فهي حقيقة في أذهان العديد من اللاجئين، إذ قال أرون جوزيف وهو واحد من مئات اللاجئين الذين يقيمون حاليًا بالقرب من شلالات "أجبوكيم" التي تفصل بين الكاميرونونيجيريا، إن "الجنود الكاميرونيين قتلوا أربعة شبان وفتاة في قريتي"، مضيفًا "أنا أعتبر نفسي الآن أمبازيًا، وليس كاميرونيًا".