كتب- ربيع السعدني ومحمد دنقل مقطع فيديو لفتاة تترقب وصول المترو بمحطة مارى جرجس، ثم القفز أمامه دون تردد ليحولها لأشلاء كان بمثابة الصدمة التى ضربت راد السوشيال ميديا والمواقع الإخبارية على مدار الأيام الماضية، وتساءل الجميع عن دوافع الفتاة التى أجبرتها على التضحية بشبابها للتخلص من حياتها دون لحظة ندم، «التحرير» كانت هناك ووقفت على الأسباب الحقيقية للحادث. الحزن يخيم بدوره على سكان شارع جامع عمرو بن العاص، مسقط رأس «أميرة»، الفتاة المنتحرة، فيما يلف الصمت عقارا من أربعة طوابق ملك لعائلة الفتاة بحارة ضيقة بجوار مسجد عمرو بن العاص، يتوافد الجيران على شقة الحاج «يحيى» والد الفتاة لمواساة العائلة فى المصاب الأليم. «ليه كده يا أميرة؟».. تساؤل يحاول الأب أن يصبر به نفسه على فراق ابنته، مضيفا «بنتى مريضة بالاكتئاب والصرع بسبب فقدانها والدتها بحادث طريق منذ سبع سنوات»، مشيرا إلى أنها كانت متعلقة بوالدتها بحكم أنها الفتاة الوحيدة لها وكانت تشاركها كل تفاصيل حياتها ووفاتها فجأة كان لها أثر بالغ على نفسيتها. وتابع والد الفتاة قائلا إن «أميرة» بدأت فى كتابة مذكراتها، والأحداث اليومية، التى تمر بها وكأنها تحدث والدتها وتشاركها «استيقظنا يوما فوجئنا بها تكتب على الحائط وحشتينى يا أمي»، تقدم لخطبتها كثير من شباب الجيران والأقارب ولكنها رفضت، وقالت «عاوزة أعيش حياتى لوحدي». وعن يوم الواقعة قال الأب إنه فوجئ بأميرة تستيقظ من النوم نحو الساعة 7 صباحا، تخبره بنيتها الذهاب إلى منزل خالتها بدار السلام بالقرب منهم فرفض الأب قائلا «روحيلها فى وقت تانى.. الوقت مش مناسب»، لكنها عاندته وقامت بارتداء ملابسها وخرجت. وأمسك شقيقها أطراف الحديث وملامح الحزن والأسى على فراق شقيقته تملأ وجهه «دى أختى الوحيدة، كنت بشوف حنان أمى فيها»، واستكمل «كنت بشتغل عشان أوفر لها كل سبل الترفيه والراحة لتعويضها عن غياب والدتها».
يصمت الشقيق لمقاومة دموع هطلت من عينيه قبل أن يضيف «فوجئت بأصدقائى وجيرانى يبلغوننى بأن رواد السوشيال ميديا يتهموننى بضربها وإهانتها ومنع الفلوس عنها». فى ركن ترتدى «هالة» خالة الضحية، ثوبا أسود وقد شقت الدموع طريقا فى خديها حزنا على رحيل ابنة شقيقتها الوحيدة، «من يوم أمها ما ماتت وهى مش طبيعية يا عينى كانت متعلقة بيها جدا» هكذا استهلت الخالة حديثها، وأوضحت أن الفتاة كانت تسمع صوت والدتها، وتنادى عليها أثناء نومها، وبعرضها على الطبيب النفسى حذر من إقبالها على الانتحار ولكن الأسرة استبعدت هذه الفرضية بسبب أنها كانت معظم الوقت طبيعية، وجميع من حولها يحاول توفير سبل الراحة لها وكل طلباتها مجابة. 7 ساعات تحقيق عقب دفنها أول من أمس خضع أهل الفتاة لتحقيقات النيابة والمباحث التي استمرت لما يقرب من 7 ساعات، وعدد كبير من أهالي المنطقة أجمعوا على حُسن سيرتها وأخلاقها الطيبة وملابسها المحترمة وشعرها المغطى دائمًا، وإتزان عقلها وفي منتهى الوعي وكانت في قمة الأدب والأخلاق وكان الجميع يشهد بأنها فتاة حسنة السمعة وأنهم فوجئوا بواقعة انتحارها بهذه الصورة الغريبة ولا يوجد أي خلافات بينها وبين أحد. عم أحمد، صاحب ورشة مجاورة لمنزل الفتاة وصديق والدها في العمل تحدث عن أميرة بأن هذا البيت لم يكن أحد يسمع صوته، ولكن حادث وفاة والدتها في الطريق أثناء توجهها إلى السوق قبل أكثر من 7 سنوات أثر على نفسيتها بشكل كبير وأحست بوحدة شديدة، لدرجة أن وكانت معاملة أشقائها الإثنين جيدة لها ولشقيقتها الصغرى. حصلت فتاة مصر القديمة على دبلوم تجارة ولم ترتبط حتى الآن ففي كل مرة كان يتقدم إليها أحد الأشخاص للزواج بها كانت ترفض الفكرة من الأساس وأصرت أن تعيش وحدها وبعد ذلك قررت الخروج إلى سوق العمل في شركة نظافة ثم تستقل المترو للذهاب والعودة إلى منزلها، أمر اعتادت عليه كل يوم. محاولات سابقة لم تكن واقعة انتحار فتاة المترو هي الأولى حسب أحد الأهالي الذي تحفظ على ذكر اسمه ولكن سبقتها مرة أخرى قبل أسابيع قليلة حين هددت أشقائها بالانتحار بسبب ضغوط الحياة وسوء المعاملة وقطع شرايين يدها ومرت الأيام، ولم يمنع ذلك حمايتها من أن تنفذ ما هددت به من قبل وتضع كلمة النهاية لحياتها التي لم تعشها بعد. وقال خالد السُني، أحد الأهالي إن حادث وفاة والدتها سبب لها أزمة نفسية حادة ظلت تعاني منها لسنوات، وأشقائها الإثنين «محمد وطارق» لم يسيئا إليها، وكذلك شقيقتها الصغرى التي كانت متعلقة بها لأبعد حد بعد وفاة والدتهن. واستمعت نيابة مصر القديمة إلى أقوال أسرة الفتاة المنتحرة أمام مترو محطة مارى جرجس حيث أكدوا أنها استيقظت يوم الواقعة صباحا، وطلبت مبلغًا لشراء فستان لحضور زفاف أحد الأقارب، وفوجئوا بضباط يبلغونهم بانتحارها، مشيرين إلى أنها كانت تمر بأزمة نفسية حادة؛ عقب وفاة والدتها نظرا لتعلقها بها. وتلقت شرطة النقل والمواصلات، بلاغا من سائق مترو بالخط الأول، يفيد إلقاء فتاة نفسها أسفل عجلات القطار، أثناء دخوله محطة «مارى جرجس»، وتوفيت فى الحال. وأخطر العميد «حمدى النهري»، مفتش مباحث قسم شرطة مصر القديمة، بالواقعة وإجراء التحريات، وتبين أنها تدعى «أميرة يحيى محمد»، 20 عامًا، ومقيمة بشارع جامع عمرو بن العاص، مصر القديمة.