فى ختام المبحث الثاني المعنون: "تحولات العالم- عنف الانتقال من القومي إلى الكوني"، من كتابه: "فى الأحوال والأهوال- المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف"، يلاحظ فالح عبد الجبار أن "الجديد فى احتدام النزعة الثقافية القومية أنه يجرى فى أطر جديدة لم يعد بالوسع التقوقع أو الانسحاب فيها أمام نظم الاتصال الإلكترونية التى تلج كل زوايا المعمورة". وفى تلك الخاتمة يلقى عبد الجبار نظرة نقدية على "التعبيرات الفكرية" عن أزمة التحولات الحادة فى التاريخ العالمى: "قدمت لنا تجارب اجتماعية كثيرة فى القرن العشرين صورا عن اليوتويبات المخدرة، كما قدمت دروسا أخرى: انهيار هذه اليوتوبيات والنظريات الكبرى (التى يسميها لوتار: السرديات الكبرى) فتح الباب أمام العالم كله لخواء روحى يمتلئ اليوم ب"جذام الميتافيزيقا". وتجد العالم اليوم يبحث عن يوتويبات جديدة، وتحاول بعض فرق التدين السياسى خلقها. والليبرالية نفسها حائرة بين الانتشاء بظفر "نهاية التاريخ"، على غرار فوكوياما آملة انتصار الأسواق على السياسة، أو الخوف من انقسامات جديدة على غرار هنتنجتون، باحثة عن حل "كلاوزفيتزى" للمستقبل، أى حل عسكرى بامتياز. جان فرانسوا ليوتار (1924 - 1998)، فيلسوف وعالم اجتماع ومنظر أدبي فرنسي، ويعتبر من أوائل من أدخلوا مصطلح ما بعد الحداثة إلى الفلسفة والعلوم الاجتماعية، وعبر عنها في أواخر سبعينيات القرن العشرين، صك مصطلح "السرديات الكبرى" عام 1984، قاصدا به "النظريات الإنسانية الكبرى لمسيرة التاريخ" حيث زعم أن ما بعد الحداثة يتصف بافتقاد الثقة بالسرديات الكبرى (التطور والتحرر التنويري والماركسية) التي شكّلت جزءا لا يتجزأ من الحداثة. فرانسيس فوكوياما، عالم وفيلسوف واقتصادي سياسي، مؤلف، وأستاذ جامعي أمريكي، جادل فى كتابه "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" الصادر عام 1992، بأن انتشار الديمقراطيات الليبرالية والرأسمالية والسوق الحرة في أنحاء العالم قد يشير إلى نقطة النهاية للتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي للإنسان. صامويل هنتنجتون (1927 - 2008)، عالم سياسة وأستاذ جامعى أمريكى، كتب في عام 1993 مقالة بعنوان "صراع الحضارات" في مجلة "فورين آفيرز"، ردا مباشرا على أطروحة فوكوياما، متوقعا أن لا تكون صراعات ما بعد الحرب الباردة بين الدول القومية واختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون الاختلافات الثقافية المحرك الرئيسي للنزاعات. كارل فون كلاوزفيتز (1780 - 1831) جنرال ومؤرخ حربي بروسي (ألمانى) تركت كتاباته حول الفلسفة والتكتيك والاستراتيجية أثرا عميقا في المجال العسكري في البلدان الغربية. وضع كتابه الشهير "فى الحرب" باعتبارها امتدادا للسياسة. فى الانقسامات العالمية بعد 11 سبتمبر يرصد عبد الجبار أن "أحداث 11 سبتمبر المدمرة (جاءت) لتطغى على الحل الليبرالى (آدم سميث)، وتغذى اتجاه الحل (الكلاوزفيتزى) المسلح. والغرب نفسه منقسم بين هذا وذاك. وعلى هذا فإن نظرية صدام الحضارات تلقت نجدة كبرى من أحداث 11 سبتمبر المأساوية". ويلاحظ أن "مشكلة هانتنجتون أنه يختزل الحضارة إلى جوهر ثقافى- روحى هو الدين، ويذهل عن رؤية البنيان الحضارى بوصفه كلا معقدا، متفاعلا هو أصلا ثمرة عمل وتلاقح أقوام وديانات عدة. ولعل الحضارة الإسلامية هى المثال الأسطع، حيث اندرجت فيها شعوب شتى، وثقافات لا حصر لها". ويخلص إلى: "أجد أن تسهيل الانعطاف من كلاوزفيتز إلى آدم سميث مسئولية تقع فى جانب منها على "حضارتنا العربية الإسلامية"، المثقلة بقيود الماضى، والتهيب من انتقالات الحداثة. ذلك أن مجتمعاتنا لا تزال على تصادم شديد بين قطاعات البدو والزراع المستقرين والحضر، تصادم فى القيم وطراز العيش ونمط التفكير. ونرى ذلك جليا فى النظم السياسية ومصادر شرعيتها، أما حركة التحديث فى بلداننا الجارية منذ قرن ونيف فتصطدم ببنى سياسية تقليدية لا تسمح لها بالتعبير عن النفس سلميا، على غرار الغرب". فى المبحث الثالث، والأخير، المعنون: "سوسيولوجيا البداوة والمجتمع" يهتدى بأفكار كل من: على الوردى- ابن خلدون- دوركهايم، ويقدم للمبحث بمقولتين لابن خلدون: "الأوطان الكثيرة القبائل قل أن تستحكم فيها دولة"، و"الرياسة فى أهل العصبية". ويفتتحه بمقولة تبدو حاسمة ويقينية: "تخرج البداوة، عالميا، من التاريخ كله، فهى فى رحلة أفول أكيدة". إميل دوركهايم (1858 - 1917) فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي. أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديث، وقد وضع لهذا العلم منهجية مستقلة تقوم على النظرية والتجريب في آن معا. علي الوردي (1913- 1995)، عالم اجتماع عراقي، وأستاذ جامعى ومؤرخ. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، (1332 – 1406)، مؤرخ، يعتبره عدد من المفكرين العرب مؤسسَ علم الاجتماع الحديث ومن أهم علماء التاريخ والاقتصاد، وينشغل عبد الجبار فى هذا المبحث؛ الذى كتبه فى عامى 1993، 1994، بالواقع العراقى، منطلقا من: لقد حاول سوسيولوجى عراقى، منذ نصف قرن تقريبا، وعلى مدى عقدين ونيف أن يعيد للقاعدة الخلدونية بعض حضورها، نعنى به الدكتور على الوردى، فى كتابه الأساس: "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث". ويلفت عبد الجبار إلى أن الوردى يرتكز على منهج واستخلاصات ابن خلدون، حيث يؤكد أن "صراع البداوة والحضارة.. وجد منذ أن ظهر الاثنان فى الخليقة. فالصحراء تنتج البداوة، والبقاع الخصيبة تنتج الحضارة، وهما فى صراع متصل منذ أن ظهرا إلى الوجود حتى هذه اللحظة. لكن دورة الصراع الخلدونى المستديمة تنفتح عند علي الوردى، على هيمنة أحادية: سيادة البداوة وانتقالها حتى إلى المدينة". وينبه إلى أن الوردى "يحدد سمتين أساسيتين فى العراق: سيطرة المد البدوى، والصراع العثمانى- الصفوى، وما جره حسب تعبيره من نزاع طائفى شديد بين الشيعة وأهل السنة"، و"إن نمو البداوة- أو هيمنة القيم البدوية تتناسب طرديا مع ضعف الدولة المركزية، وضعف الحواضر". وإذ يقسم الوردى، طبيعة المجتمع إلى: مجتمع مغلق (الزراعى، التقليدى)، ومجتمع مفتوح (الصناعى الحديث)، يستنتج أن البئية المغلقة تخلق ما يشبه التنويم المغناطيسى بحيث يرى المرء أشياء لا وجود لها. إن الوعى الجماعى، فى البيئة المغلقة، ميثولوجى. إن التعددية فى الرؤية داخل المجتمع المغلق ناجمة عن عزلته، وهى بالتالى نسبية ذاتية. فى المجتمع المفتوح، هناك إمكانية لرصد الموضوع والاقتراب منه. وبما أن الواقع، حسب مانهايم الذى يستعيره الوردى، أشبه بهرم متعدد الجوانب، فإن مختلف الجماعات المتصارعة فى المجتمع ترى أوجها مختلفة من الهرم وبما أن الفرد منتم لجماعة من هذه الجماعات فإن هذا التصور لن يتيح للحقيقة أن تقدم نفسها. فهى متشظية ومتعارضة.م سميث (1723 - 1790) فيلسوف أخلاقي وعالم اقتصاد بريطانى. يُعدّ مؤسس علم الاقتصاد الكلاسيكي ومن رواد الاقتصاد السياسي. اشتهر بكتابيه الكلاسيكيين: "نظرية الشعور الأخلاقي" (1759)، وكتاب "بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها" (1776). وهو أهم آثاره، وأول عمل يتناول الاقتصاد الحديث وقد اشتهر اختصارا، باسم "ثروة الأمم". دعا فيه سميث إلى تعزيز المبادرة الفردية، والمنافسة، وحرية التجارة، بوصفها الوسيلة الفضلى لتحقيق أكبر قدر من الثروة والسعادة.