سارازين يعتبر المهاجرين المسلمين سبب المشكلات الاقتصادية والثقافية فى بلاده.. ويرى اليهود خطرًا على برلين لم تعد موجة العداء لغير المسيحيين فى ألمانيا مقصورة على تيارات اليمين المتشدد فقط، كما أن تحميل مسؤولية ذلك لما يعرفون ب«النازيين الجدد» وحدهم بات غير دقيق بالمرة. العداء للمسلمين واليهود، وكذا للملونين، تجاوز حدودا كثيرة فى ألمانيا، حتى أصبح يطل بفجاجة من داخل أروقة الحكومة الاتحادية فى برلين، وكذلك من قلب مؤسسات رسمية فى الدولة. مؤخرا لم تجد حكومة المستشارة أنجيلا ميركل، وحسب تقارير صحفية تناقلتها مطبوعات ألمانية ذات ثقل، مفرا من إدانة قيادى بارز فى «البوندسبانك»، أو البنك المركزى الاتحادى، يدعى تيلو سارازين، بعد نشره كتابا بعنوان «ألمانيا تدمر نفسها»، تناول فيه قضية الهجرة بوجه عنصرى بشدة، رأت سلطة الحكم فى برلين أنها لا يجب أن تتحمله مع مؤلف الكتاب. وكان شتيفن شيبرت، المتحدث باسم ميركل، قال بوضوح تعليقا على مضمون الكتاب «سمعة البنك المركزى الألمانى تأثرت بشدة بسببه بلا أدنى جدل، والضرر ليس مقصورا على الداخل فى حسب، ولكنه وصل إلى الخارج أيضا»، قبل أن يوجه نصيحة إلى إدارة البنك المركزى: «يجب أن تكون قلقا من كلام سارازين». وفى حين دخلت ميركل نفسها على خط الجدل الدائر حول الكتاب، بالإشارة بوضوح فى تصريحات رسمية صدرت عن مقر المستشارية عن لسانها، بأن تعليقات سارازين غير مقبولة، استجاب البنك المركزى الاتحادى الألمانى لطلبها له بالتحرك والنأى بنفسه عن كتاب موظفه المرموق، وقال بيان رسمى صادر عنه، إن ما حملته وجهة نظر صاحب «ألمانيا تدمر نفسها»، تنطوى على تمييز ضد الجاليات الأجنبية، معلنا أن مجلس إدارة البنك بصدد الاجتماع مع المؤلف لبحث الأزمة. وذلك وسط أنباء عن فصل سارازين من البنك رسميا، بعد تصديق الرئيس الألمانى على ذلك، لاحتواء الغضب الرسمى والحقوقى بسببه. بل إن الحزب الاشتراكى الديمقراطى، الذى ينتمى إليه سارازين، قال إنه ينظر فى قرار طرد الرجل بسبب «غبائه»، بينما اتهمه وزير الداخلية الألمانى دى ميزيير، بأنه تجاوز كل الحدود بمهاجمة اليهود. كما أدان عديد من المنظمات اليهودية والإسلامية الكتاب، بصفته عنصريا ويخرق حقوق الإنسان ومبادئها المستقرة فى ألمانيا. ومن السطر الأول فى كتابه المثير للجدل صبّ سارازين جام غضبه على الجالية المسلمة فى ألمانيا، والتى يقدر عددها ما بين مليون ونصف المليون إلى 4 ملايين نسمة، معظمهم من الأتراك، قاطعا بأنهم يرفضون بعنف كل وسائل دمجهم فى المجتمع الألمانى، حتى صاروا من وجهة نظره عبئا عليه. سارازين يلعب على مشاعر خوف ألمانية تقليدية، بالقول إن سكان بلاده يخشون أن يصبحوا غرباء أو أجانب فى أرضهم، وربما أيضا فى محيطهم الأوروبى. معتبرا أن معظم المشكلات الثقافية والاقتصادية فى بلاد «الجرمان» هى نتاج طبيعى لوجود نحو 5 أو 5 ملايين مهاجر مسلم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن الغضب الرسمى العارم من سارازين ربما لم يكن ليحدث لو أن الكتاب تناول المسلمين فحسب، لكن ما أشعل الغضب ضده أنه ضرب بأحد الخطوط الحمراء الألمانية عرض الحائط، وذلك حينما اعتبر أن خطر اليهود فى بلاده كبير جدا. المثير أن سارازين دافع عن نفسه، ورد على هجوم ميركل والحكومة عليه، بأنهم لم يقرؤوا كتابه، واصفا الأخير بأنه «متوازن رغم كل ما يتعرض له من انتقادات»، مدللا على كلامه بأن كتابه أصبح الأكثر مبيعا فى ألمانيا، بموجب أرقام طلبيات الحجز المقدمة لشرائه فى المكتبات.