آداب عين شمس تنظم دورات تدريبية للشباب الجامعي المقبل على الزواج    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 7 ديسمبر    أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن.. اليوم 7 ديسمبر    تقرير إسرائيلي: نتنياهو بين المطرقة والسندان.. واشنطن تضغط للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق    القوات الروسية تسقط 77 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    طائرات يابانية تحلق بالقرب من موقع تدريب القوات الصينية بالمحيط الهادئ    الجزائر.. 9 قتلى و10 جرحى في حادث مرور مروع بولاية بني عباس    حبس المتهمين بسرقة مشغولات فضية من مخزن في القاهرة    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    اليوم، قطع الكهرباء عن بعض المناطق ب 3 محافظات لمدة 5 ساعات    ضائقة مالية تجبر مخرج "العراب والقيامة الآن" على بيع ثاني ساعاته النادرة ب 10 ملايين دولار    بيع ساعة يد للمخرج الأمريكي كوبولا ب 10.8 مليون دولار في مزاد    شهداء بنيران الاحتلال وتطورات في الضفة قبل وصول المندوب الأمريكي.. فيديو    تأجيل محاكمة 68 متهمًا في قضية خلية التجمع الإرهابية    أقرأ تختتم دوراتها الأولى بتتويج نسرين أبولويفة بلقب «قارئ العام»    رانيا علواني: ما حدث في واقعة الطفل يوسف تقصير.. والسيفتي أولى من أي شيء    تحذيرهام: «علاج الأنيميا قبل الحمل ضرورة لحماية طفلك»    محافظ الإسماعيلية يتابع تجهيزات تشغيل مركز تجارى لدعم الصناعة المحلية    إصلاح كسر مفاجئ بخط مياه بمنطقة تقسيم الشرطة ليلا بكفر الشيخ    "الراجل هيسيبنا ويمشي".. ننشر تفاصيل مشاجرة نائب ومرشح إعادة أثناء زيارة وزير النقل بقنا    جامعة كفر الشيخ تنظم مسابقتي «المراسل التلفزيوني» و«الأفلام القصيرة» لاكتشاف المواهب| صور    رحمة حسن تكشف عن خطأ طبي يهددها بعاهة دائمة ويبعدها عن الأضواء (صورة)    قلت لعائلتي تعالوا لمباراة برايتون لتوديع الجمهور، محمد صلاح يستعد للرحيل عن ليفربول    زيادة المعاشات ودمغة المحاماة.. ننشر النتائج الرسمية للجمعية العمومية لنقابة المحامين    «الصحة» توضح: لماذا يزداد جفاف العين بالشتاء؟.. ونصائح بسيطة لحماية عينيك    بدون أي دلائل أو براهين واستندت لتحريات "الأمن" ..حكم بإعدام معتقل والمؤبد لاثنين آخرين بقضية جبهة النصرة    محمد صلاح يفتح النار على الجميع: أشعر بخيبة أمل وقدمت الكثير لليفربول.. أمى لم تكن تعلم أننى لن ألعب.. يريدون إلقائي تحت الحافلة ولا علاقة لي بالمدرب.. ويبدو أن النادي تخلى عنى.. ويعلق على انتقادات كاراجر    هشام نصر: هذا موقفنا بشأن الأرض البديلة.. وأوشكنا على تأسيس شركة الكرة    وزير الاتصالات: رواتب العمل الحر في التكنولوجيا قد تصل ل100 ألف دولار.. والمستقبل لمن يطوّر مهاراته    محسن صالح: توقيت فرح أحمد حمدى غلط.. والزواج يحتاج ابتعاد 6 أشهر عن الملاعب    جورج كلونى يكشف علاقة زوجته أمل علم الدين بالإخوان المسلمين ودورها في صياغة دستور 2012    الإمام الأكبر يوجِّه بترميم 100 أسطوانة نادرة «لم تُذع من قبل»للشيخ محمد رفعت    أصل الحكاية| ملامح من زمنٍ بعيد.. رأس فتاة تكشف جمال النحت الخشبي بالدولة الوسطى    أصل الحكاية| «أمنحتب الثالث» ووالدته يعودان إلى الحياة عبر سحر التكنولوجيا    مصدر أمني ينفي إضراب نزلاء مركز إصلاح وتأهيل عن الطعام لتعرضهم للانتهاكاتً    المشدد 3 سنوات لشاب لإتجاره في الحشيش وحيازة سلاح أبيض بالخصوص    برودة الفجر ودفء الظهيرة..حالة الطقس اليوم الأحد 7-12-2025 في بني سويف    آخر مباراة ل ألبا وبوسكيتس أمام مولر.. إنتر ميامي بطل الدوري الأمريكي لأول مرة في تاريخه    أسوان والبنية التحتية والدولار    اللجنة القضائية المشرفة على الجمعية العمومية لنقابة المحامين تعلن الموافقة على زيادة المعاشات ورفض الميزانية    هيجسيث: الولايات المتحدة لن تسمح لحلفائها بعد الآن بالتدخل في شؤونها    الاتحاد الأوروبى: سنركز على الوحدة فى مواجهة النزاعات العالمية    ميسي يقود إنتر ميامي للتتويج بلقب الدوري الأمريكي للمرة الأولى.. فيديو    نشرة الرياضة ½ الليل| رد صلاح.. رسالة شيكابالا.. مصير مصر.. مستحقات بنتايج.. وتعطل بيراميدز    أخبار × 24 ساعة.. متى يعمل المونوريل فى مصر؟    أول صورة لضحية زوجها بعد 4 أشهر من الزفاف في المنوفية    عمرو أديب بعد تعادل المنتخب مع الإمارات: "هنفضل عايشين في حسبة برمة"    نقيب المسعفين: السيارة وصلت السباح يوسف خلال 4 دقائق للمستشفى    محمد متولي: موقف الزمالك سليم في أزمة بنتايج وليس من حقه فسخ العقد    الحق قدم| مرتبات تبدأ من 13 ألف جنيه.. التخصصات المطلوبة ل 1000 وظيفة بالضبعة النووية    خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعا عن الحرية الإنسانية    وكيل وزارة الصحة بكفر الشيخ يتفقد مستشفى دسوق العام    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    تقرير عن ندوة اللجنة الأسقفية للعدالة والسلام حول وثيقة نوسترا إيتاتي    الاتصالات: 22 وحدة تقدم خدمات التشخيص عن بُعد بمستشفى الصدر في المنصورة    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    مواقيت الصلاه اليوم السبت 6ديسمبر 2025 فى المنيا..... اعرف صلاتك بدقه    الصحة: فحص أكثر من 7 ملابين طالب بمبادرة الكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جحيم على باب الجنة نانسى حبيب
نشر في التحرير يوم 25 - 02 - 2014

لم يكن أحد يعرف كيف كان يشعر باروخ جولدشتاين فى فجر يوم 25 فبراير عام 1994، فى هذا اليوم استيقظ ذلك الطبيب اليهودى المقيم فى إحدى المستوطنات وتوجه إلى مدينة الخليل، وهناك اقترب من الحرم الإبراهيمى، حيث كان المسلمون يؤدون الصلاة فجر يوم جمعة فى منتصف شهر رمضان. ولم يستوعب أحد منهم شيئا إلا وهم يجدون جولدشتاين يمسك رشاشا يطلق به النار على المصلين، ليقتل 29 ويجرح 150 آخرين، قبل أن تنفد ذخيرته ويلتف حوله المصلون ليضربوه حتى قتلوه.
لم يكن أحد يعرف كيف كان يشعر جولدشتاين وهو يضع قدميه داخل الحرم الإبراهيمى، لكننى أعرف. إننى كنت أشعر برهبة ورجفة وعدة مشاعر أخرى متداخلة لم أشعر بها من قبل.
يومها كنت فى زيارة إلى فلسطين بدعوة من بلدية رام الله للمشاركة فى مخيم دولى تطوعى للشباب قبل ستة أشهر. وفى ذلك اليوم قرر منظمو المخيم أن يعرفونا على أماكن مختلفة فى فلسطين، وكانت المحطة الأولى فى بيت لحم، حيث قمنا بزيارة كنيسة المهد، وهى زيارة يكفى أن تقوم بها لتشعر بأن زلزالا اجتاح كيانك، وبأن ما كنت تسمعه عن وجود «عبق تاريخى» هو شىء حقيقى، وليس مصطلحا أسطوريا كما كنت أعتقد، والحديث عن زيارة بيت لحم يطول ويطول، لكن هذا ليس مجاله، ففى المحطة الثانية قصتنا حيث بلدة الخليل القديمة.
فى الطريق إلى الخليل ستجد عدة لافتات مكتوب عليها «الخليل»، وتحتها كلمة «حبرون» باللغتين العربية والعبرية، وهو ما يفسره دليلنا فى الرحلة بأن لكل مدينة فلسطينية اسمين أحدهما عربى والآخر عبرى، قبل أن يقول لنا إن الخليل تقع فى الضفة الغربية جنوب القدس بنحو 35 كم، وهى تعتبر ثانى أكبر المدن الفلسطينية بعد مدينة غزة من حيث عدد السكان والمساحة. والمدينة مقسمة إلى البلدة القديمة والحديثة. الأولى هى وجهتنا، حيث تقع بمحاذاة المسجد الإبراهيمى، ورغم أنها بعد اتفاق الخليل الذى تم توقيعه بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1997 صارت مقسمة إلى قسمين: الأول يخضع للسلطة الفلسطينية، والثانى يخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلى، فإنك ستجد الإسرائيليين فى كل مكان حتى تلك المناطق التى يفترض أنها خاضعة للسلطة.
وصلنا أخيرا إلى البلدة القديمة، وهناك تشعر أنك انتقلت إلى عالم آخر، شوارع قديمة عبارة عن أزقة كأنها خرجت للتو من روايات نجيب محفوظ، وبيوت صغيرة ودكاكين قديمة معظمها مغلق، لكنها تذكرك بزنقة الستات فى الإسكندرية، نفس السلع المنخفضة السعر ونفس التجار الطيبين وحتى نفس الستات اللاتى يفاصلن عند الشراء. إلا أننا لاحظنا وجود سور كبير فوق رؤوسنا بامتداد الطريق، وهو ما قام بتفسيره مرشدنا الفلسطينى قائلا إن إسرائيل قامت باحتلال محافظة الخليل بما فيها المدينة بعد حرب 1967، وقامت بمصادرة جزء كبير من المدينة لإسكان المستوطنين الأجانب فيها، خصوصا فى البلدة القديمة. ومنذ ذلك الوقت بدأ المستوطنون فى الاستيطان بمحيط المدينة، ثم فى داخلها، حيث أقاموا عدة مستوطنات إحداها قرب المسجد الإبراهيمى. وبدأ عدد كبير من السكان الفلسطينيين فى النزوح من المدينة، خصوصا فى ظل مضايقات المستوطنين، وبعد أن أغلقت القوات الإسرائيلية آلاف المحلات، وهو الأمر الذى استمر حتى يومنا هذا. ثم أشار إلى السور فوق رؤوسنا، موضحا أن السكان الفلسطينيين قاموا ببنائه لمنع القاذورات التى كان يلقيها عليهم المستوطنون الإسرائيليون الذين يسكنون فوقهم.
ومررنا بعدها من نقطة تفتيش إسرائيلية لنصل أخيرا إلى المسجد الإبراهيمى. منذ اللحظة الأولى التى تخطو فيها قدمك داخل المسجد ستشعر برهبة، كأنك انتقلت إلى قطعة من الجنة، تتلفت حولك لتجد المصلين فى كل جانب، وإلى جوارهم قطعة من التاريخ، هنا قبر سارة زوجة إبراهيم عليه السلام، وهنا قبر رفقة زوجة إسحق عليه السلام، وإلى جواره بخطوات قبر إسحق نفسه، ثم قبر يعقوب ومنبر صلاح الدين، ثم ستجد ركنا يقبع فيه قبر إبراهيم عليه السلام.
تقترب من القبر لتلمسه وأنت تشعر أنك فى عالم آخر، قبل أن يخرجنا منه دليلنا الفلسطينى لينقلنا إلى عالم مغاير، مشيرا إلى كاميرات منتشرة على بعض الأركان ليوضح لنا أن هذه الكاميرات تخص القوات الإسرائيلية، وهو ما أصابنا بالذهول. كاميرات مراقبة للقوات الإسرائيلية داخل المسجد الإبراهيمى! ليفسر لنا دليلنا بأن هذا سببه باروخ جولدشتاين.
منذ عشرين عاما بالضبط، وفى منتصف شهر رمضان كان المصلون فى المسجد، وكان صوت المؤذن ينادى بأذان الفجر، بينما يمر مصلون جدد من الحواجز أمام الجنود الإسرائيليين، وبينما كان الإمام يُكبّر والمصلون يسجدون لله من خلفه دوّى صوت الطلقات، وامتلأ المكان برائحة البارود، وسالت الدماء فى المسجد المقدس، وتساقط المئات بين جرحى وقتلى، قبل أن تنفد ذخيرة باروخ ويلقى مصرعه على أيدى المصلين المصابين بالغضب والذهول.
ومنذ تلك الحادثة وضعت القوات الإسرائيلية كاميرات داخل المسجد، لتعرف ما يحدث بالداخل، ليكمل دليلنا الفلسطينى بأنه لم يكن أحد يعرف كيف كان يشعر جولدشتاين، هل كان يملؤه الحقد، أم أنه فقد عقله ومشاعره إلى الحد الذى جعله يطلق النار على مصلين عزل؟ لكننا كنا نعرف أن قصة دليلنا التى انتهت معها زيارتنا للمسجد الإبراهيمى نقلتنا إلى أبواب الجحيم التى فتحها جولدشتاين، بينما كنا منذ لحظة مضت فى زيارة قطعة من الجنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.