الشيخ حاتم - يا ربى! ماذا كان عليه شعور هلال بن أمية حين دخل على النبى مجلسه، وقال له: يا رسول الله إنى جئت على أهلى عشاء فوجدت عندها رجلًا، فرأيت بعينى وسمعت بأذنى. هل كان مثله مهزومًا، فعاقب نفسه بفضح روحه؟ هل كان غاضبًا حتى الروع، فقرر أن يفضح زوجته حتى ينتقم منها ومن نفسه؟ هل كان طيبًا حد أن تعامل مع هذه الحادثة باعتبارها شيئًا طبيعيًّا ليس فيه ما يُخجل ولا ما يكسر؟ ساعتها كره النبى ما جاء به هلال، كأنما روحه الشريفة لم تطق اعتراف الرجل، فضلًا عن افتضاحه، كذا كشف ستر زوجته، ما الذى كان ينتظره النبى؟ أن يصمت الرجل، لقد اشتد عليه النبى، وكاد يطبق عليه الضرب والجلد، فقال النبى «البيّنة، وإلا حد فى ظهرك»، كأنك يا هلال مُعرَّض للحد بالجلد على ظهرك لو لم تكن تملك دليلًا، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا، ينطلق يلتمس البينة؟ فيقول النبى مكررًا «البيّنة، وإلا حد فى ظهرك». ويرد هلال: ما بال أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلًا إن قتله قتلتموه، وإن تكلّم جلدتموه، وإن سكت سكت على غيظ. عارفة حصل إيه يا زوجتى العزيزة، الله أشفق من فوق سبع سماوات، أشفق على هلال وعلى حيرته وسؤاله عما يفعل، فنزلت آيات الملاعنة «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. ويدرءوا عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ»، لكننا هنا فى هذه الغرفة وحدنا تحت مطر الشتاء وفى ظلمة الليل أقل سوادًا مما فى قلبى الآن تجاهك، لسنا فى حاجة إلى ملاعنة ولا وقت نبدّده فى أن أقسم على أن لعنة الله علىّ لو كنت من الكاذبين فقد اعترفتِ، يجب أن أشكرك، بالمناسبة فقد كذبت زوجة هلال، وقد قيل لها: اشهدى أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، وقيل لها عند الخامسة: اتقى الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التى توجب عليك العذاب فتلكّأت وترددت واحتارت وتحيّرت ولفّت ودارت وناورت وسكتت وهمهمت، ثم همّت وشهدت فى الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ففرّق رسول الله بينهما، وقضى أن لا يُدعى ولدها لأب، ولا يُرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد.. من أن يشتم أحد ولدها ويقول عنه ابن الحرام، أو يهينها ويقول عنها أحد أو يناديها بالزانية، وقضى النبى أن لا بيت لها على زوجها هلال ولا قوت لها من أجل أن يفترقا من غير طلاق، وقرر النبى أن يعرف كذبتها من صدقها لمَّا قال «إن جاءت به (طفلها) أصيهب أثيبج أريسح حمش الساقين، فهو لهلال (يعنى لو طلع شكل هلال أبيض أشقر ونحيف يبقى هو ابن هلال)، وإن جاءت به أورق (يعنى أسمر ) جعدًا جماليًّا خدلج الساقين سابغ الإليتين (تخين وملظلظ ) فهو للذى رميت به»، وكان اسمه شريك. لا يمكن يا أميمة يا زوجتنا الشريفة العفيفة أن الست تحبل من نومة واحدة ليس مستحيلًا طبعًا، لكن أكيد نامت أكثر من مرة مع الأخ شريك بدليل أنها فعلًا حبلت ووضعت طفلًا، لكن انظرى إلى الجانب الإيجابى، هذا الولد كبر وأصبح أميرًا على مصر! شايفة كيف أن بخت مصر حلو دائمًا! - والولد طلع إيه؟ باغته السؤال ولم يفهم مقصده. - نعم أى ولد؟ قالت بحروف مهشمة بالضعف: - ابن الست اللى زوجها اتهمها بالخيانة، أم أمير مصر، طلع شكله إيه، أشقر ونحيفًا مثل هلال زوجها، أم أسمر وسمينًا مثل الرجل المتهمة فيه؟ على الرغم منه كان يتابع السؤال بضحكة ممرورة: - طلع ابن حرام .. أسمر وسمين يا ستى! - وماذا فعل معها النبى.. هل عاقبها لكذبها؟ هل رجمها؟ - لم يفعل لها أى شىء، واكتفى بأنه فرّقها عن زوجها. من رواية «مولانا» للأستاذ إبراهيم عيسى.