لا أحب أن أحكى فى حكايات المؤامرات.. أحكى عما أعرفه.. وأحاول أن أحطه فى سياق.. كل العالم (تقريبًا) يبارك الحرب فى سيناء، بما فيها إسرائيل وأمريكا وروسيا.. إلخ. الصحف الأمريكية تكتب عن المعونات الأمريكية التى تتدفق على مصر، لاقتلاع الإرهاب من سيناء.. كانت جماعات العنف تراهن على أن إسرائيل ستمنع الجيش من دخول سيناء.. وإسرائيل كانت تروج لهذا عبر التسريبات التى تأتى من بعض وسائل إعلامها، لكن المخفى، أن إسرائيل فى القنوات الرسمية زادت فى الإلحاح على دخول الجيش، وهو الإلحاح الذى تحدث عنه الإعلامى الإسرائيلى المرموق إيهود يعارى فى محاضرة فى الواشنطن أنيستيتيوت. قبل 30 يونيو بأيام قليلة اتصل بى واحد.. بلوعة وغضب سألنى: يعنى إيه أرض محروقة؟.. وأنا سألته: ليه؟.. قال إن رجله رمته على مجموعة من المسلحين، وهم قالوا، إنهم سيحولون سيناء إلى أرض محروقة.. وقبلها بأيام كنت مع اثنين من رفاقى بنعلق ملصقات «تمرد»، حين جاءنا شاب ملتحٍ راكب موتوسيكل.. ويبدو أنه سأل الشباب عن سبب تعليقهم لتلك الملصقات؟!.. ولما قالوا لإسقاط رئاسة مرسى وحكم الإخوان، قال: بس مرسى أحسن لكم.. بعد مرسى: واستخدم واحدة من يديه فى حز الثانية، كان يقصد بعد مرسى: الذبح.. وبعد ساعة لم نجد ملصقًا واحدًا من الملصقات، التى لصقانها فى مكانه.. تلك سطور كان لا بد منها قبل الدخول فى الموضوع.. ولنبدأ بسؤال: لماذا ذلك العنف الذى نراه فى سيناء؟، كل ما هو ظاهر على السطح أنه ليس له أى مطلب غير إعادة مرسى.. هكذا يقول خطابه المعلن.. مثلًا، لم يطالب مرة واحدة بمطالب خاصة بسيناء.. وطالب فى واحد من خطاباته (على ما أذكر) بالإفراج عن حرائر الإخوان.. طيب مَن الذى أتى بالجيش؟.. أليس هو ذلك العنف؟! طيب ما هذا الجيش الذى جاء؟! هل كنا نعتقد أنه سينتقى مَن يمارسون العنف كما الفلاح وهو ينقى الفول السودانى؟.. مَن يقول لى نعم.. سأقول له أنت كاذب، وإحنا فى سيناء أكثر ناس فى العالم عارفين قدرات هذا الجيش.. وعارفين أساليبه وطرقه.. طيب لماذا قامت الثورة؟.. ألم تكن من أهدافها إعادة هذا الجيش إلى ثكناته؟، لدرجة أن البرادعى (مثلًا) وهو الرجل المشهور بتحفظه الشديد، تكلم عن مصانع المكرونة على شاشات الفضائيات.. طيب مَن الذى تحالف مع الجيش وكسر وسط الثورة، وشارك فى إعاقتها عن تحقيق هذا الهدف؟.. أليس مرسى والشاطر والإخوان؟. وهم مَن تطالب جماعات العنف اليوم بإعادتهم. ستقول لى لكن المواطن لا شأن له بهذا كله.. نعم.. 100٪.. هذا حقيقى، لكن المواطن اليوم صار محشورًا بين عنف لا أحد يعرف له أولًا من آخر.. ظاهرًا من باطن.. وبين جيش كلنا نعرفه، ونعرف أداءه ونعرف طرقه وأساليبه.. وفى مناخ دولى ومحلى يعطيه «جرين لايت» ليحارب الإرهاب.. طيب ماذا عليك أن تفعل. هل ستقول إننى سأصرخ؟.. أوك.. أنا موافق.. طيب أصرخ، لكن الصراخ يحتاج إلى ريح لتنقله.. والريح غير موجودة.. وإن وجدت الريح؛ فلن تجد أذنًا تسمع.. - المواطن ماذا سيفعل؟.. بعد أشهر لم أسمع فيها واحدًا يجرؤ على الكلام.. (وأنا متابع جيد لكل ما يصدر فى سيناء.. ولكل صفحات «فيسبوك» و«تويتر»).. وأنا أتفهم عدم القدرة على الكلام (وفى هدم البيوت وحرق الخصوص وحتى سجن أحمد أبو ذراع مثال واضح على القسوة الشديدة وغير المبررة فى ردود الأفعال) اليوم أقول للمواطن ما قلته فى أول الحرب: إن عليك أن تصبر.. وإن عليك أن توثق ما يحدث (وإن كان فى ذاكرتك).. الشجاعة فى مثل هذه الأحوال، فى الصبر والحفظ