فى عام 2006 أخبرَنا الراحل على الشلقانى أن مصر وقَّعت على الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد «UNCAC» فى عام 2004 وصدَّق عليها البرلمان المصرى آنذاك، ولكن الحكومة المصرية أوهمت العالم أنها ملتزمة بالاتفاقية كى تبيِّض وجهها بينما هى لم تتخذ الإجراء اللازم لجعل تلك الاتفاقية طبقا للقانون والدستور المصرى واجبة النفاذ، ألا وهى نشر الاتفاقية فى الجريدة الرسمية. أعطانا المعلومة وتركنا نتحمل عبء تلك المعرفة.. كنا فى ذلك الوقت حركة «شايفنكم» للمراقبة الشعبية (إنجى الحداد، وغادة شهبندر، وأنا). وتوصلنا حينها إلى خطة مفادها الترويج للاتفاقية وأهمية تفعيلها عن طريق لقاءات تنويرية لكُتَّاب رأى وقضاة، والأهم هو إنشاء جائزة «المحارب المصرى ضد الفساد» التى اعتمدت على تشكيل لجنة من الخبراء لاختيار مجموعة من المرشحين يتم الإعلان عنهم للرأى العام ودعوة المواطنين للتصويت عن طريق رسائل ال«sms» وكذلك بالتصويت الإلكترونى على موقع حركة «شايفنكم». وفى كل سنة كنا نقدم إضافة جديدة للجائزة، مرة بإضافة قُلّة قناوى «مصرية أصيلة» إلى الجائزة الأصلية والتى كانت فى البداية عبارة عن غطاء قُلّة معدنى مزيَّنة قمته بأوراق اللوتس باللون الذهبى يتوسط الزهرة مجسَّم لتمثال «نهضة مصر» للعملاق حفيد الفراعنة المثَّال محمود مختار، الذى التقط الإزميل من يد آخِر مثَّال مصرى قديم -تعبير أقتبسه من الراحل بدر الدين أبو غازى- والذى اكتشفناه بين موروثات عائلته فتبرَّع أستاذ النحت الدكتور محمود شكرى عميد كلية الفنون التطبيقية السابق، بصبّه فى مسبكه دون مقابل كمساهمة منه فى الجائزة. أما عن الجائزة النقدية فكنا بنلمّها من جيوبنا الشخصية، إلى أن بدأنا فى عام 2007 حملة «فى اتجاه المليون دبوس ضد الفساد» والتى كنا نبيع فيها الدبوس بجنيه مصرى واحد طوال السنة كى نجمع خمسة آلاف جنيه قيمة الجائزة للفائز باللقب. وفى عام 2013 استننَّا سنَّة جديدة باختيار مرشح عن كل شهر نكرمه ونمنحه شهادة تقدير حتى وصلنا إلى شهر يونيو فتوقفنا، نظرا إلى زخم الأحداث بعد ثورة الثلاثين من يونيو. وقبل التاسع من ديسمبر من هذا العام وفى ظل كل ما نعيشه من حرب على الإرهاب وكتابة دستور مصر القادم. قررنا أنه لا بد من استمرار الجائزة رغم عدم وجود تمويل للحركة وبمساعدة الأصدقاء التاريخيين من محاربى الفساد، تطوعت لجنة الخبراء فى استكمال المشوار لحسم مرشحى هذا العام. وكان السؤال: هل نكتفى بمرشحى الشهور الستة الأولى من العام؟ وكانت الإجابة ب«لا». هل نكتفى بتسمية الشعب المصرى بنضاله المستمر والدؤوب على مر تاريخه وبخاصة خلال السنوات الماضية وبالتحديد فى ثورته الرائعة على نظام دينى فاشى أراد أن يمحو هويته لصالح مشروع تمكين إخوانى دولىّ مشبوه معادٍ للوطن ومفهوم الدولة المصرية؟ وللمرة الثانية تأتى الإجابة ب«لا» لنضيف إلى أسماء المرشحين السابقين اللواء الشهيد نبيل فراج الذى استُشهد فى عملية تحرير أهالى مدينة كرداسة من رعب الإرهاب الأسود الذى جثم على نفوسهم لشهرين كاملين وهو فى الصفوف الأولى بين جنوده وضباطه اسمًا ورمزًا نكرم فيه أيضا كل زملائه الذين يضعون فى كل يوم وساعة حياتهم على المحكّ لمكافحة الإرهاب الأسود. ثم أضفنا مجموعة من التكريمات لأسماء جنودنا وضباطنا من الجيش المصرى الذين استشهدوا غدرا وخيانة فى سيناء. لم يكن المهندس يحيى حسين رئيس مركز إعداد القادة بالعجوزة مرشحنا الأول للجائزة فى عام 2006 موافقا على كل المرشحين السابقين لكنه وبشكل ديمقراطى نزل على رغبة المجموع، كما رُفض بعض الترشيحات التى أتت من أحد أعضاء اللجنة «بتكريم معدى قانون تضارب المصالح» الذى طالما طالبنا به قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير والذى أطالبكم أيها القراء الأعزاء بتكوين مجموعات ضغط لإقراره عبر البرلمان القادم وتفعيله على الأرض حتى لا يضاف إلى قائمة القوانين التى هى حبر على ورق. وكانت ليلة ليست كأى ليلة.. أحمد حافظ يشترى القُلل ويرشها باللون الذهبى للفائز الأول، وعمرو الشاذلى يعمل على موقع «مصريين من أجل الفساد» ويحرّك الشباب لدعوة المرشحين القدامى والحاليين والنشر الصحفى والإلكترونى، وكلها جهود تطوعية. وكان الحدث الأجمل فى الاحتفالية هو حضور شباب حركة «شايفنكم» من المحافظات. ودارت الاحتفالية فى ظل إحجام شبه متعمَّد من الصحافة والفضائيات إلا القليل منها. وكانت المفاجأة السارة فوز شباب حركتَى «شفت تحرش» و«قوة ضد التحرش» بالجائرة الأولى لتحصلا على لقب المحارب المصرى ضد الفساد لعام 2013 عبر التصويت الإلكترونى، ولتتبرع الحركتان بقيمة الجائزة النقدية (5000 جنيه) لأسرة أصغر مرشحى الجائزة على مدار أعوامها الثمانية الطفل الشهيد عمر صلاح المعروف إعلاميا ب«عمر بائع البطاطا» الذى جسّد موته فساد منظومة حماية حقوق الطفل فى مصر وليتسلم التكريم «عمر» الابن الأكبر لشهيد الوطن اللواء نبيل فراج. ويحضر الضابط محمد وديع من «ضباط 8 أبريل» لتسلم تكريم شهداء الغدر والخيانة فى سيناء ونشكل مجموعة عمل من شباب «شايفنكم» فى المحافظات لزيارة أسر هؤلاء الشهداء فى قراهم للشدّ على أياديهم وتذكيرهم بأن الشعب لم ينسَ تضحياتهم وأن دماءهم لن تذهب هدرًا، وأننا سنظلّ مصممين على عودة الحقوق، وبتأكيد أن المصريين لن يرتاحوا إلا بالقضاء على الإرهاب فى كل بقعة من أرض مصر. كأن الاحتفالية تنشد هتاف «جيش وشعب وشرطة إيد واحدة ضد الإرهاب والفساد» بلا ضجيج إعلامى ولا تزيد. وكما بدأنا الاحتفالية بالنشيد الوطنى نختتمها بأغنية الثورة المصرية الأشهر «بلادى يا بلادى أنا باحبك يا بلادى». للأسف لم يستطع أحد من أهالى جزيرة القرصاية أو الشيخ «ندا» الملقب بالإمام المظلوم من الحضور لذا ستظل لحركة «مصريين ضد الفساد» مهام متبقية بالذهاب إليهم لتكريمهم. وبعد انتهاء الاحتفالية أتوجه مع الرائعة سميرة إبراهيم إلى منزل أيقونة الثورة المصرية شاهندة مقلد التى منعتها وعكتها الصحية من الحضور والتى تفرح شأنها شأن المصريين ببساطة التكريم، شهادة تقدير وقُلَّة مصرية أصيلة مزيَّنة بعَلَم مصر مكتوب عليه «المحارب المصرى ضد الفساد». لنبدأ دورة الجائزة من جديد ونجتمع لنرشح الملقب بالمحارب المصرى ضد الفساد لشهر يناير 2014.