«الشاعر الثائر فى وجه كل سلطان جائر».. لعل هذا أصدق وصف ينطبق على «شاعر الغلابة» الكبير أحمد فؤاد نجم، الذى رحل عن عالمنا فجر أمس «الثلاثاء» عن عمر يناهز 84 عاما، تاركا خلفه تاريخا طويلا من العطاء والعمل والنضال السياسى ضد الحكام، وبقيت أشعاره تحث المصريين على الثورة على الظلم والفساد، وامتلأت صفحات حياته بتاريخ حافل من الصراعات ولحظات من الود وأخرى من الجفاء مع الحكام منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مرورا بعهد السادات ومبارك ومرسى حتى لحظة وفاته، حيث دفع نجم ثمن مواقفه هذه سنوات طويلة عاشها متنقلا بين السجون. وعلى الرغم من سجنه فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فإنه أحبه كثيرا ووصفه بأنه «نصير الفقراء»، وقال إنه لن يتكرر مرة أخرى، وأهدى له قصيدة «زيارة إلى ضريح جمال عبد الناصر» التى تحدث عنها فى احتفالية تكريمه بمركز إعداد القادة بمناسبة عيد ميلاده ال84، قائلا: «كتبت تلك القصيدة فى الزنزانة وأنا محبوس وعبد الناصر من الحاجات اللى جننتنا»، بينما وصف الرئيس السادات بأنه «شيخ منصر»، وعارضه بشكل واضح بسبب سياسة الانفتاح الاقتصادى ومعاهدة كامب ديفيد، ومن بعده عارض سياسات الرئيس الأسبق حسنى مبارك ووقف بشدة فى وجه مخطط التوريث لنجله جمال، وانطلقت كلماته كالسهام بعد رحيل المخلوع عن السلطة عقب ثورة 25 يناير يقول وكأنه يتحدث لرفيق دربه الراحل الشيخ إمام عيسى «أنت مت ليه.. كان لازم تشوف اللحظة دى». نجم الذى عرف بجرأته وتخطيه لكل الخطوط الحمراء فى مواجهة الاستبداد وصف نجل المخلوع مبارك بال«مختل عقليا» الذى يتعامل مع مصر كأنها «عزبة أمه»، و«الحاجة الإيجابية الوحيدة اللى عملها جمال مبارك إنه ضيع أبوه وقوَم الثورة ضده». وخلال فترة حكم المجلس العسكرى عقب الثورة، قال نجم عن المشير طنطاوى رئيس المجلس آنذاك «كان من الممكن أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه مثل نابليون بونابرت، ومحمد على، إلا أنه فوت الفرصة على نفسه بقراراته»، فى حين وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها «تشكيل عصابى»، واصفا الرئيس المعزول مرسى نفسه أثناء حكمه بأنه «عبيط.. وغلبان.. ويصعب على الكافر.. ولم يكن أبدا قائدا»، مضيفا خلال أحد لقاءاته التليفزيونية، أنه كان ضحية لجماعة الإخوان المسلمين وهم من أغرقوه، مشددا على أنه كان لديه يقين كامل بأن الإخوان لن يكملوا عاما فى الحكم. ولم يكن غريبا على «الفاجومى» أن ينتصر لثورة 30 يونيو قبل وفاته ويختتم بها حياته ونضاله الطويل، حيث وقع على استمارة حملة «كمل جميلك»، واصفا الفريق السيسى بأنه «عبد الناصر الثانى» وأنه «رجل تلك المرحلة والأنسب لها»، قائلا «واضح إنه فلاح مصرى عارف إبليس مخبى ابنه فين». قصيدته «كل ما تهل البشاير من يناير كل عام يدخل النور الزنازن يطرد الخوف والظلام».. ما زالت عالقة بأذهان المصريين، ويرددها كل جيل الثورة الذى تزامنت القصيدة مع موعدها فصارت أيقونة تعريف ل25 يناير، وكان من أبرز كلماته وقتها «حكام مصر لم يتعلموا من أخطائهم والسبب الرئيسى فى ذلك هو الحاشية المحيطة بكل حاكم والتى تحجبهم عن الشعب». «شاعر الغلابة» الذى استطاع أن يحفر اسمه كأحد أهم شعراء العامية فى مصر، اعتقل فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكذلك فى عهد الرئيس السادات أكثر من مرة لمواقفه السياسية، بعدما أطلق هو وصديقه الراحل الشيخ إمام أكبر حملة سخرية ضد حاكم مصرى على الرغم من استقبالهما حرب أكتوبر بأغنية «دولا مين ودولا مين». ووضع الاثنان «نجم وإمام»، أولى لبنات مشروعهما المشترك فى تاريخ الأغنية السياسية العربية، حيث كانت أغنية «الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا» التى كانت أول أغنية مصرية على الإطلاق تسخر من الرئيس عبد الناصر أو «عبد الجبار»، كما سمته كلمات نجم، وتبعتها أغانى «بقرة حاحا» بنبرتها الحزينة التى تبكى نهب مصر، و«يعيش أهل بلدى» التى تتمسك بالأمل والحماسة، ثم جاءت أغنية «مصر يمّا يا بهية» غزلا وطنيا فى حب مصر. «أنا مليان تفاؤل وبكرة هتشوفوا البلد أحلى».. كلمات لم تفارق لسان «شاعر الغلابة» أحمد فؤاد نجم طوال فترة حياته، قائلا قبل رحيله «ثورة 25 يناير ثورة زمن قام بها جيل كامل، ولم يتصور أن الإخوان سيعملون على خطف السلطة بهذه الطريقة». ارتبطت أشعار «نجم» وكلماته اللاهبة بحياة الناس ومعاركهم اليومية واشتباكهم مع المشكلات الحياتية، وخرجت جلية واضحة فى أحداث زلزلت مصر كهزيمة 1967 فى عهد الرئيس عبد الناصر، واتفاقية كامب ديفيد فى عهد الرئيس السادات، وبروز ملف التوريث فى عهد الرئيس الأسبق مبارك. أما آخر تغريدة له عبر حسابه على «تويتر» فجاءت ساخرة من جماعة الإخوان المسلمين، والتى قال فيها «ابقوا قولوا للإخوان تصوت ع الدستور بنعم عشان يدخلوا الجنة».