تظل جنازات مثل جنازة الزعيم جمال عبد الناصر أو كوكب الشرق أم كلثوم أو العندليب عبد الحليم حافظ هى دليل حى عن حب وولاء الشعب نحو رؤسائهم وفنانيهم. عادة نجد صور الملوك والحكام والرؤساء على النقود الورقية، ولكن حينما تختار دولة مثل السويد صورة مخرجها السينمائى «إنجمار برجمان» لتُطبع على عملتهم فئة ال200 كرونا، فهذا ليس مجرد تكريم للفنان، بل تحية إلى الفن السينمائى ككل. وحينما يحتشد أكثر من 15 ألف مواطن فى جنازة ليودعوا المخرج الإيطالى «فيديريكو فيلينى»، لا بد وأن نحترم هذا المخرج، ونحيى جمهوره، ونشيد بالبلد التى تقدره، فإيطاليا اعتبرته شاعر السينما الذى استطاع أن يمس وجدان الشعب الإيطالى والذى عبر أيضا الملايين منهم عن مشاعرهم من منازلهم عبر شاشات التليفزيون يتابعون نعشه وهو يطوف شوارع روما التى خلدها فيلينى فى أفلامه، خصوصا فى فيلمه الشهير «الحياة الحلوة/ La Dolce Vita». ربما شعبية رفيق مشواره المخرج الإيطالى أنطونيونى أقل بكثير من شعبية فيلينى، ولكن الدولة لم تتقاعس فى تقديرها لفنه، وتم عرض 5 من أفلامه بالتليفزيون القومى فى يوم واحد، بينما فى الكنيسة التى تم الصلاة على جثمانه وضعت شاشة تعرض لقطات من أفلامه. أما «هوليوود» البراجماتية فعبرت عن امتنانها نحو نجومها وهم أحياء بصب بصمات أياديهم على قوالب من الرخام تزين بها أرصفة مدينتهم، لأن هؤلاء النجوم هم أساس ازدهار ورأسمال صناعة السينما الأمريكية. إنجلترا بوقارها المعهود تتبع تقليدا آخر أكثر نُبلا بالإشارة إلى أدباء وفلاسفة وعلماء وفنانين وساسة بوضع لوحات بأسمائهم على جدران البيوت التى ولدوا أو عاشوا فيها، فهى أكثر الدول حفاظا على تراثها. فرنسا تتباهى بمنح لقب «فارس» سواء فى مجال الفنون أو الأدب وتمنحها أيضا لغير الفرنسيين، خصوصا الفرانكفونيين. مخرجنا العظيم يوسف شاهين حصل من مهرجان «كان» الدورة الخمسين (عام 1997) على جائزة تكريم عن مجمل أعماله، ومؤخرا فى قائمة أهم 100 فيلم عربى التى أصدرها مهرجان دبى السينمائى كان لشاهين أكبر عدد من الأفلام لمخرج «8 أفلام»، وربما هذا هو فى رأيى أكبر تقدير وتكريم استحقه وناله فى عالمه العربى. فى النهاية ربما الجوائز والألقاب والميدليات والكؤوس والشهادات هى مجرد وسائل لتقدير السينمائى المختار، إلا أن تظل أفلامه هى الوحيدة التى قد تمنحه التقدير الحقيقى.