لا أعرف -ولا يعرف غيرى- ماذا يحدث على الساحة السياسية الآن. كل ما نعرفه -وندركه- أن هناك حالة ارتباك فى أجهزة الدولة وعلى رأسها الحكومة. فالحكومة لا تعرف حتى الآن تسيير حركة القطارات. ولم تستطِع صيانة المزلقانات وعربات السكك الحديدية رغم منح هيئة السكك الحديدية وخطوطها إجازة إجبارية تقترب من مئة يوم. فماذا تنتظر من حكومة لا تستطيع السيطرة على حركة القطارات؟! وخذ عندك ما يحدث فى الشارع من تسيب وإهمال وانتشار البلطجة وقطاع الطرق.. وغياب الأمن العام وتعقد مشكلة المرور. وحدِّث ولا حرج عن أكوام القمامة والزبالة فى الشوارع، وأيضًا المخلفات فى البناء والتعدى على الأراضى.. ووصل الأمر بالتعدى على الأرصفة والشوارع العامة.. وأصبح المعتدون يرون أن ما يفعلونه حقهم الطبيعى ما دام لا يحاسبهم أحد. ولا أحد أيضًا يحاسب الحكومة. وكل وزير وشطارته.. تجد وزيرًا يعمل بإخلاص وتفانٍ.. وتجد آخر ليس له علاقة بما يحدث.. وثالث يعمل على تمرير الأمور، لا فرق عنده ماذا يحدث. وأيضًا هناك بعض مؤسسات فى الدولة يعمل فى إطار مصلحته، كأنه ليست هناك مؤسسات أخرى.. ولا ىراعى حق الدولة وحق المواطن فى خدمة هذه المؤسسات. ولعل ما حدث -ولا يزال يحدث- فى لجنة الخمسين، التى تكتب الدستور -أقصد تدخل تعديلات وترقيعات على دستور الإخوان المعطَّل- من صراع الفئات والمؤسسات على الظهور على صفحات الدستور، حماية لها.. بل وتحديد مهامِّها. ووصل الأمر إلى تناحُر هيئات قضائية.. سعيًا إلى مزيد من النفوذ.. لا من أجل البحث عن استقلال القضاء الذى ناضل الشعب من أجله ووقفوا ضد السلطة الاستبدادية التى اعتدت على القضاء. وسعت فئات أخرى كثيرة إلى الحصانة لها فى الدستور. ونرى كل مؤسسة مشغولة بأمورها.. ولا يهمها ما يجرى على الساحة، أو تسعى إلى التلاحم مع المؤسسات الأخرى. كأن بين تلك المؤسسات تصفية لمواقف متعارضة خلال المرحلة السابقة ومنذ ثورة 25 يناير.. خصوصًا مع صعود بعض النماذج التى كانت على عداء مع الثورة.. ولا أحد يقول لى إنها كانت فى خصومة مع الإخوان.. فقد حاولت تلك العناصر خدمة الإخوان.. وحاولت تقديم نفسها لهم.. وهناك من التقى خيرت الشاطر بشكل سرى.. وهناك من عمل فى غسل أموال الإخوان.. والغريب أن هؤلاء جميعًا يدّعون الآن الثورية وأنهم ثوار 30 يونيو والثورة منهم براء، فهم يعملون لمصالحهم الشخصية، ولعل ما يفعلونه الآن من سعيهم للحصول على تمويل ومصالح ممن يدعم النظام الحالى.. تحت لافتة أنهم من داعمى النظام الذى لم يتشكل بعد، وربما يختلف عن مصالحهم.. فهم قد تَعوَّدوا الخدمة والسير وراء أوامر من يمنحونهم العطايا! بين كل المؤسسات حالة ارتباك فى هذه المرحلة. واستمرار هذا الارتباك سيؤدِّى إلى الفشل الكامل. فنحن نسير إلى الدولة الفاشلة. وهناك غياب للعقول الراشدة التى تسعى إلى المصلحة العامة. وغياب لمن يعمل لمصلحة الوطن والشعب. وغياب للأحزاب السياسية التى تدّعى البطولة والثورية بعد نجاح الثورة.. رغم أنها كانت فى حظيرة الأنظمة الاستبدادية وفى خدمتها.. وتقدم فروض الولاء والطاعة. فأين هى تلك الأحزاب من الشارع الآن؟! بل هناك تكاثر ممن يسعى إلى مصالحه الشخصية ومن بينهم قيادات أحزاب خارجة من نظام استبدادى أمنى.. وما زالت تسعى إلى الوجود بتغيير جلدها وتبعيتها! إى نعم هناك إرهاب من جماعة الإخوان والمتحالفين معها يؤدى إلى تعطيل.. وهو أمر ليس غريبًا على الجماعة التى سعت إلى تعطيل البلاد، حتى عندما استطاعت سرقة الثورة والسلطة، وقد تصدى الشعب لهذا الإرهاب.. لكن القائمين على الدولة -إذا كانت هناك دولة- لم يستغلوا هذا التصدى الشعبى للإرهاب. ومع هذا لا يمكن أن يؤدى ذلك إلى الارتباك العام الذى نراه فى كل أمور الحياة الآن.. وكان يجب أن تقوم الحكومة ومؤسسات الدولة بذلك.. لكن ماذا تقول؟ لا يوجد أى رجل رشيد.