تشير التقديرات المتداولة إلى أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، سوف يزور القاهرة قريبًا، وأن زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين تمثل الخطوة الأولى على طريق تطوير العلاقات المصرية -الروسية إلى مدى وآفاق غير محدودة. المؤكد أن زيارة وزيرى الخارجية والدفاع الروسيين معا إلى القاهرة تلفت الانتباه إلى تطور ما فى علاقات البلدين، وإذا استقبلت القاهرة الرئيس الروسى، فإن الزيارة ستكون مؤشرًا واضحًا على حدود التطور فى العلاقات بين البلدين. والمؤكد أيضا أن القاهرةوموسكو تسعيان إلى تطوير هذه العلاقات بين القوى العظمى الثانية فى العالم اليوم من حيث مقاييس القوة الشاملة، وبين قوى إقليمية رئيسية كانت حليفة لموسكو فى الخمسينيات والستينيات، ثم اندفعت لتكون حليفًا للقوى المضادة منذ بداية السبعينيات وحتى أشهر قليلة مضت. والملاحظ أيضا أن الحديث فى القاهرة عن تطوير العلاقات مع روسيا الاتحادية بدأ على المستوى الشعبى قبل أن يبدأ على المستوى الرسمى، ففى إشارة إلى الغضب الشعبى، الدعم الأمريكى لجماعة الإخوان المسلمين ولما بدا واضحًا من تفاهم بين واشنطن والتنظيم الدولى للجماعة، رفع المتظاهرون المصريون فى مظاهراتهم المعارضة لحكم الجماعة صورًا للرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى موازاة توجيه الاتهامات إلى الرئيس الأمريكى وسفيرته فى القاهرة، ورفعوا صورًا لهما وعليها عبارات الإدانة أو علامة الرفض. نظر الرأى العام المصرى الرافض لحكم الإخوان إلى العلاقات مع روسيا باعتبارها البوابة الطبيعية التى ينبغى على السلطة الانتقالية بعد الثالث من يوليو أن تطرقها، لا سيما بعد أن أوقفت واشنطن تسليم بعد الأسلحة والمعدات إلى الجيش المصرى، وبدأت تعلن عن تقليص المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر. فى المقابل اتسم رد الفعل الروسى بالبرود وربما الجمود، وكانت الرسالة التى حملها الروس الذين جاؤوا إلى القاهرة بعد الثالث من يوليو، أن موسكو ليست فى صراع مع واشنطن، وأن زمن الحرب الباردة قد ولى، وأن التفكير التقليدى الخاص بمرحلة الحرب الباردة والذى يضغط ويناور بتغيير التحالف من الشرق إلى الغرب والعكس لم يعد قائما. باختصار أراد الروس توصيل رسالة إلى المصريين مفادها نعم يمكن أن نتعاون فى كل المجالات ويمكن أن نقدم لمصر كل ما تريد من أسلحة ومعدات فى إطار صيغة من التعاون الثنائى البناء، لكن روسيا لن تقبل بأن تستخدم كورقة تناور بها القاهرة للضغط على واشنطن. أرادت روسيا أن تختبر التوجه المصرى الجديد بالانفتاح عليها وما إذا كانت مجرد مناورة للضغط على واشنطن وإجبارها على تغيير قراراتها السلبية الأخيرة بوقف تسليم بعض الأسلحة والمعدات وتقليص المساعدات، أم أن القيادةالمصرية الانتقالية وفى القلب منها المؤسسة العسكرية جادة بالفعل فى الانفتاح على روسيا الاتحادية وتطوير علاقات معها ضمن رؤية للممارسة مصر لدورها الإقليمى باعتبارها أكبر دولة عربية وفاعل إقليمى رئيسى؟ كانت موسكو حريصة على معرفة الإجابة المباشرة على هذه لتساؤلات، فخبرتها السابقة مع مصر وتحديدًا مع مجىء الرئيس السادات كانت سلبية للغاية، فالرجل طرد المستشارين السوفييت، وألغى معاهدة الصداقة والتعاون التى سبق وأبرمها عبد الناصر، وسلم لواشنطن، بعد حرب أكتوبر، قطع سلاح ومعدات روسية لفحصها ومعرفة أسرارها، قدم كل ذلك كعربون صداقة أو تحالف مع واشنطن، وجاء العربون على حساب السوفييت، لذلك تريثت موسكو طويلًا فى مواجهة الأصوات التى كانت تنطلق من القاهرة تدعوهم إلى إعادة التعاون بين البلدين. مؤكد أن روسيا الاتحادية، وبعد الحرب الباردة وانتهاء عصر الاستقطاب، يهمها تطوير العلاقات مع مصر فى شتى المجالات، فمصر بالنسبة إلى الروس هى المدخل الطبيعى إلى الشرق الأوسط ومياهه الدافئة التى كان الوجود فيها هدفا تقليديا لروسيا الاتحادية منذ زمن القياصرة، كما أن واقع العلاقات المصرية الخليجية اليوم يجعل مصر بمثابة المدخل الطبيعى للخليج العربى الذى ظل، حتى اليوم، منطقة نفوذ أمريكى خالص، وتدرك روسيا جيدا أن دعم دول الخليج المؤثرة لمصر بعد 30 يونيو -وتحديدا السعودية والإمارات والكويت- يأتى فى سياق رد الفعل على ما أدركته من مخططات أمريكية لتقسيم المنطقة والتحالف مع التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، ومن ثم قررت هذه الدول دعم مصر سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا حتى تكون خط المواجهة لمثل هذه المخططات، وفى السياق نفسه فإن هذه الدول مستعدة تماما هى الأخرى لتطوير علاقاتها مع روسيا الاتحادية ولتمويل صفقات السلاح الروسى لمصر. باختصار كثيرة هى الحسابات المصرية للانفتاح على روسيا الاتحادية، وكذلك حسابات الأخيرة والتى تقول إن تطوير العلاقات يصب فى صالح البلدين، وفى الوقت نفسه، فإن هذا التوجه سيأتى على حساب مصالح قوى وأطراف محلية وإقليمية استفادت من العلاقات المصرية الأمريكية والعربية الغربية عموما، ومن ثم يتوقع أن تقاوم هذا الانفتاح الجديد وتسعى إلى عرقلته بشتى الطرق وتحصل فى سبيل ذلك على مدد أمريكى وغربى عموما، وسوف تجرى محاولات لقطع الطريق على هذا التقارب عبر تسريبات غير صحيحة -مثل طلب روسيا قواعد عسكرية فى مصر- المهم أن نكون على وعى بكل ذلك من ناحية، وأن ندرك حقيقة وواقع العلاقات الدولية اليوم والتى لا تسمح للقوى الصغيرة والمتوسطة بهامش مناورة بين واشنطنوموسكو، ولكنها تسمح ببناء شبكة علاقات متنوعة مع قوى دولية متعددة.