هل أمريكا فى حاجة إلى حرب جديدة تزيد من كراهية شعوب العالم لها؟ إنها مسألة أيام أو ربما ساعات. هكذا يقول ويؤكد دعاة الحرب ضد سوريا. ولتأكيد ما يقولونه يرددون أيضا ما أشارت إليه التقارير الإخبارية بأن التحركات والاستعدادات العسكرية الأمريكية اكتملت والتأهب «وصل لنقطة اللا عودة»، أى أن القصف الصاروخى لأهداف بعينها قد يحدث فى أى لحظة. وأن القصف فى انتظار قرار الرئيس أوباما.. و«هو لم يتخذ بعد هذا القرار». وهذه هى العبارة التى تكرر ذكرها عدة مرات من جانب المتحدثين باسم البيت الأبيض وأيضًا الخارجية مع كل إشارة إلى احتمال شن هجوم على سوريا. ووسط الجدل الدائر حول حق الرئيس فى اتخاذ القرار وأيضا واجبه فى الأخذ برأى الكونجرس وممثلى الشعب أكدت الإدارة الأمريكية مساء أول من أمس الخميس أن الرئيس أوباما لديه السلطة، وأيضا لديه العزم فى أن يتخذ قراره الخاص بتنفيذ هجوم ضد سوريا، وذلك على الرغم من تزايد الأصوات المعارضة لمثل هذا القرار داخل الكونجرس والاعتراض وعدم القبول الآتى من بريطانيا، وهى ترفض المشاركة فى الهجوم. ومع دخول السفينة الحربية الأمريكية الخامسة إلى البحر المتوسط قام كبار مسؤولى الأمن القومى الأمريكى بشرح كل التفاصيل والأدلة لقيادات الكونجرس فى حوار تليفونى مشترك استمر لنحو 90 دقيقة. وحسب ما ذكر صباح الجمعة فإن أكثر من 200 من أعضاء الكونجرس من كلا الحزبين قاموا بالتوقيع على رسائل تطالب بضرورة وحتمية اعتماد الكونجرس لأى عمل عسكرى. وحسب ما نقل عن مسؤولين استخبارات أمريكيين تحدثوا عن ما حدث يوم 21 أغسطس فإن الاعتقاد لديهم هو أن سارين هو غالبًا السلاح الكيماوى المستخدم، وأن عدد الضحايا يتراوح ما بين 500 وألف شخص. كما أنه تم التنصت على اتصال هاتفى جرى من جانب مسؤول سورى كبير يناقش هذا الحادث مما يثبت تورط النظام السورى فى الهجوم الكيماوى. لكن بالطبع من يريد أن يأخذ برأى الإدارة ورجالها فى هذا الأمر «دون نقاش» هم قلة غالبًا. فغالبية الأصوات المرفوعة والأسئلة المطروحة تشكك وتتساءل، وتقول «لا نريد عراقًا آخر». لذلك لم يكن غريبًا أن تصر مارى هارف نائبة المتحدثة باسم الخارجية بأن تكرر موقف الإدارة فى أنها لا تقبل ولا تريد أى مقارنة بين سوريا وما حدث من قبل فى العراق. خصوصًا إذا تطرق الحديث والشك إلى الأدلة والبراهين التى تؤكد تورط نظام الأسد فى تنفيذ الهجوم الكيماوى. كما يتكرر التأكيد الرسمى بأن الرئيس لم يتخذ بعد قراره، وأن ما قد يحدث أو يتم تنفيذه هو عمل عسكرى محدد ومحدود، وبأن ليس فى نية أمريكا شن حرب شاملة، ولا أيضا التخلص من نظام الأسد.. والأهم لا تنوى ولا تريد إرسال جنود إلى سوريا. ولعل ما يلفت الانتباه هو أن كل ما كان من سنوات مضت من تلميحات أو إشارات إلى «فيتنام آخر» فى أثناء الجدل الدائر حول غزو العراق نجد اليوم الحديث يتطرق إلى «عراق آخر» وحرب تستنزف البشر والموارد المالية وتأتى بعواقب غير مقصودة ومخاطر غير محدودة يجب التعامل معها فى ما بعد. والجدل الدائر فى الأيام الأخيرة، إضافة إلى القضايا المطروحة من خلال مناقشة إمكانية التعامل مع الشأن السورى وتداعياته تعكس نوايا وتوجهات الإدارة وصناع القرار وأيضا صناع الرأى تجاه قضايا العالم بشكل عام والشرق الأوسط بوجه خاص. إذ تطرق الحديث وتناول الشرق الأوسط الجديد أو المتجدد والمتقلب فى السنتين الماضيتين، وقدرة ورغبة واشنطن فى مواجهة هذه التحديات الجديدة ومدى استعدادها لتحديث أدواتها وأساليبها القديمة فى تناول هذا الجديد والطارئ والمفاجئ والخطير. وهل الرئيس الأمريكى باراك أوباما الحاصل على جائزة نوبل للسلام فى استطاعته أن يحسم الأمور بحزم وعزم أم كما «ظهر وبان» فى مواقف مشابهة هو «المحارب المتردد والمتخوف، الذى ليس لديه استعداد لاتخاذ قرار حاسم وقاطع». ثم ماذا عن «منطق الحروب والمواجهات العسكرية»، ألم تكن الحرب فى أفغانستان ثم العراق كافية لاستنزاف الأرواح والبشر والعقول والموارد والأموال؟ قد لا يصدق أحد أن أمريكا تصرف فى الوقت الحالى 2 مليار من الدولارات أسبوعيا فى أفغانستان؟ وهل أمريكا فى حاجة إلى حرب جديدة تزيد من كراهية شعوب العالم لها و«لمعاييرها الانتهازية» فى شن الحروب وخلق العداوات؟ والأخطر استراتيجيًّا وأمنيًّا كما طرح ماذا إذا بسبب «الضربة الجراحية والمحدودة» اندلعت الحرب فى المنطقة حرب إيرانية إسرائيلية على سبيل المثال. والمعلق السياسى ديفيد إجناشيوس فى «واشنطن بوست» وهو يتحدث عن «مصداقية أمريكا»، وكيف أنها فى خطر إذا لم يتم اتخاذ قرار وفعل شىء فى سوريا يكتب: «وسط جنرالات مصر وأمراء السعودية وساسة إسرائيل وآخرين محافظين فى الشرق الأوسط يبدو أن الاعتقاد السائد هو أن أوباما رئيس ضعيف، وأنهم يجب أن يعتمدوا على أنفسهم فى الشأن الأمنى. إن أوباما لن يغير هذا الرأى باتخاذ قرار قصف ثأرى ضد سوريا. لكنه إذا تحرك بتعقل وبتنسيق مع حلفاء فهو على الأقل سيقوم بتذكير الناس بأن قوة أمريكا العسكرية لا يمكن الاستخفاف بها». ومن هنا تأتى أيضا المخاوف العامة «كلمات أوباما تأخذنا إلى حرب جديدة»، كما يقول المعلق السياسى جورج ويل ويتساءل كال توماس المعلق اليمينى: «هل الولاياتالمتحدة فى حاجة إلى حرب أخرى فى الشرق الأوسط؟»، فى حين يتناول جورج بيكر فى «نيويوركر» الجدل المحتدم حول التدخل فى سوريا، ويطالب أكثر من معلق وأكاديمى بضرورة وأهمية أن تبرر واشنطن خطوتها وحربها على أسس أخلاقية وقانونية. ذاكرين «كيف تكسر واشنطن قواعد وقوانين المجتمع الإنسانى ثم تتساءل وتطالب بتطبيق التشريعات الدولية؟». واشنطن فى حالة حرب.. ولكن «حرب على مضض»، ربما لأن لا أحد يعرف تبعات هذا القصف المنتظر، ولا أحد ربما يستطيع التعامل مع تلك العواقب التى لا يعرف مداها أحد!