منذ أن اندلعت ثورة 25 يناير، والإبداع لا يتوقف، شعر ورواية وموسيقى ومسرح وقصة قصيرة، لكن الشعر على وجه الخصوص كان له الكلمة العليا، والصوت الأسبق، وشارك كل الأجيال الشعرية فى صناعة الحدث شعريًّا، من الأبنودى إلى فاروق جويدة إلى إبراهيم أبو سنة وحسن طلب وحلمى سالم وكريم عبد السلام، حتى الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى الذى توقف منذ أكثر من عقدين، استطاعت الثورة أن تفك عقدة إبداعه، فكتب أكثر من قصيدة، وكان للمرأة حظ فى المشاركة، وعلى رأس كوكبة الشاعرات تأتى فاطمة المرسى التى عاشت فترة تزيد على عشرين عامًا فى أمريكا، لتعود قبل حدوث الثورة المصرية بشهور قليلة، وبعد قيام الثورة تقرر البقاء فى مصر، وتنهى علاقتها بالإقامة فى أمريكا، وتصدر ثلاثة دواوين تباعًا، انفعالًا بحدث الثورة وهى «انتباه يا مصر»، و«مولد السيدة مصر» ثم «على ذمة التحرير»، لتسجل جدارية شعرية تستحق التوقف والانتباه، وعلى إيقاع الأحداث كتبت المرسى متأملة ومؤرخة ومنددة ومبتهجة، وإذا كانت فى الديوانين الأولين أبدعت قصائد متقاربة فى المساحة، سنجد فى الديوان الأخير «على ذمة التحرير» قصيدة تشغل أكثر من أربعين صفحة، وهى «يصل ويسلم إلى أمى»، والقصيدة ليست على غرار «جوابات حراجى القط» الذى يرسل رسائله إلى زوجته فى جبلاية الفار، لكن القاسم المشترك فى الديوانين هو شعور الغربة والألم، والحنين إلى الوطن الأم، وفى رسالة من الشاب إلى أمه يقول: «هنا يامه الحياة صعبة، ودوامة تلف الناس، طاحونة بتطحن الإحساس، وتسرق أحلى مافينا، تنسينا أسامينا، وماجد ينقلب مايكل، وفادى بيبقى فرناندوس، ده غير الرطن وخلافه، ووجع الراس، ورافض إنى اتعود، وخايف أتوه»، وهكذا يسترسل الشاب فى التعبير عن هواجسه ومخاوفه وحنينه، وبالتالى يستعرض كل التعبيرات العربية هناك فى الغربة، ليعبر عن هذا النزوع العربى الذى يجتاح كل أبناء العرب هناك، وكذلك يستعرض أجلى صفات هؤلاء العرب الاجتماعية، ونلاحظ أن الشاعرة تكتب عن أشياء صغيرة مثل نوعيات الأكل المختلفة، وبالطبع اللهجات، هذا دون أن يشعر المرء بأدنى إقحام على متن القصيدة، أما فى ردود الأم سنلاحظ حنينا جارفا إلى الابن، هذا الحنين الذى يقطر ألمًا حقيقيًّا.