أوباما فاجأ الجميع بتكليف اثنين من القيادات الجمهورية بالكونجرس بزيارة مصر والالتقاء برموز المشهد السياسى الحديث عن حافة الهاوية وانزلاق مصر نحوها لم يتوقف، بل يزداد حدة. كما أن الحديث عن «عجز» أو «قلة حيلة» واشنطن مع الواقع المتقلب فى مصر مستمر ويزداد «غموضا» مهما كانت التصريحات والتقارير التى تسلط الأضواء على التعامل الواشنطنى بالمشهد المصرى. وبالتأكيد لقاء آشتون بمرسى خطف الاهتمام وشغل أهل واشنطن لعل معها ومع دبلوماسيتها الهادئة يتم «الخروج من الأزمة» و«التوصل إلى مصالحة وطنية تشمل الكل». وزير الدفاع الأمريكى هيجل واصل اتصالاته بنظيره المصرى السيسى ليؤكد من جديد ضرورة «ضبط النفس» فى تعامل قوات الأمن المصرية مع المتظاهرين. كما أن الرئيس أوباما فى خطوة مفاجئة قام بتكليف اثنين من قيادات الكونجرس الجمهورية بزيارة مصر والالتقاء بمن هم فى المشهد السياسى. ترى ماذا يحمل كل من السناتور جون ماكين والسناتور لندسى جراهام معهما من رسائل واقتراحات. وهل سيتم السماح لهما بمقابلة مرسى الرئيس المعزول؟! سيناريوهات الصدام الدموى ما زالت تمثل الهاجس الأكبر لصناع القرار فى واشنطن. وسواء كان الأمر يخص التعامل مع المتظاهرين فى رابعة العدوية وأنصار الإخوان أو ما قد تأتى به الأيام إذا تم إقصاء الإخوان المسلمين من المعادلة السياسية وإصرار السلطات فى مصر على «كسر ظهرهم» وبالتالى دفعهم للمواجهة الدموية أو العودة من جديد للإرهاب والعمل السرى. كل هذه من سيناريوهات الترهيب والوعيد يتم التلويح بها والحديث عنها بين أهل واشنطن. وبما أن تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكى هو «حلقة الوصل والتواصل» الرئيسية بين واشنطن والقاهرة وصناع القرار بها فاتصالاته مع الفريق الأول السيسى مستمرة ومكثفة. مساء أول أمس الثلاثاء صدر بيان من جورج ليتل المتحدث باسم البنتاجون ذكر فيه «صباح اليوم تحدث الوزير هيجل تليفونيا مع وزير الدفاع المصرى السيسى لمناقشة الوضع الأمنى فى مصر وضبط النفس من جانب قوات الأمن المصرية فى تعاملها مع المظاهرات الجارية» وذكر البيان أيضا أن الوزيرين هيجل والسيسى ناقشا ما يمكن تحقيقه بناء على زيارة آشتون لمصر والحاجة لعملية مصالحة تشمل الكل». و«أن الوزير السيسى أكد من جديد دعما لخارطة الطريق السياسية التى وضعتها الحكومة المؤقتة فى مصر». المكالمة الأخيرة بينهما كانت يوم السبت الماضى 27 يوليو عقب المصادمات الدموية التى شهدتها مصر. الخارجية الأمريكية من جانبها رحبت بجهود كاثرين آشتون الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية فى الاتحاد الأوروبى خلال زيارتها الثانية للقاهرة. وذكرت جين ساكى المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أن الوزير كيرى اتصل الثلاثاء مع آشتون وأبدى عن مساندته للجهود التى تبذلها من أجل مواجهة الأزمة فى مصر. إلا أن ساكى رفضت الإفصاح عما دار بينهما من حديث حول لقاء آشتون بمرسى. وكان كيرى قد اتصل بآشتون من قبل يومى الإثنين والسبت الماضيين. ومن خلال ردودها على أسئلة الصحفيين فى الموجز اليومى أكدت ساكى من جديد المطالبة بإطلاق سراح مرسى. وعندما سألت «التحرير» عن رد فعلها عما قاله محمد البرادعى نائب الرئيس عن مرسى وبأنه ليس «سجينا سياسيا» و«أن هناك اتهامات موجهة إليه». اكتفت ساكى بالقول: لقد رأينا ما قاله. ووجهة نظرنا تبقى كما هى.. بأن الشعب المصرى هو الذى يختار قيادته. وأعتقد أننا كنا واضحين جدا حول اعتقادنا بأن هناك عملية يجب أن تتم من أجل إطلاق سراحه». ولا شك أن الدوائر السياسية ووسائل الإعلام الأمريكية مهتمة بمعرفة تفاصيل ما حدث لمرسى، وأين هو الآن. وقد نشرت «نيويورك تايمز» أمس تقريرا عن لقاء آشتون بمرسى وكيف أن مكانه «ما زال لغزا». التقرير الصحفى ذكر من ضمن ما ذكره عن لقاء آشتون استخدام الهليكوبتر الحربى وبأن الوقت كان ليلا والموقع مظلما، فبالتالى لم يتم التعرف على المكان. وحرص التقرير على ذكر أنه لم يتم تعصيب عينيها. وتضمن تقرير «نيويورك تايمز» رأى عمرو دراج القيادى الإخوانى فى اللقاء إذ قال: «مع كل احترامى لآشتون إلا أنه من العار أن أول شخص يراه أجنبى» مضيفا «كل هؤلاء المصريين غير مسموح لهم أن يشاهدوه أو يتكلموا معه عبر الهاتف. إنهم (ويقصد السلطات وأصحاب القرار) يهتمون بصورتهم أمام العالم أكثر من صورتهم أمام شعبهم» وذكر التقرير أن مسؤولا بالاتحاد الأوروبى قد ذكر أن زيارة آشتون الأخيرة لمصر كانت مشروطة بأنها سوف تأتى لكى ترى مرسى وجها لوجه. وهو الأمر الذى لم يتم السماح لها به فى الزيارة الأولى منذ أسبوعين. وعلى الجانب الآخر كان الشرط المصرى أن لا يتم الكشف عن مكان احتجاز الرئيس المعزول. وآشتون فى لقائها بمرسى كان بصحبتها كريستيان بيرجر مدير الشرق الأوسط بالاتحاد الأوروبى. وبيرجر نمساوى تسلم مهامه فى 2011 وكان من قبل يدير مكتب الاتحاد الأوروبى فى الضفة الغربية وقطاع غزة». وتحت عنوان «مصر على الحافة» عكست «واشنطن بوست» المخاوف التى تساور واشنطن وأهلها المهتمين والمهمومين بالشأن المصرى بما يحدث فى مصر أو بتعبير أدق ما لا يحدث فى مصر من تخفيف للتوتر أو تقليل للاستقطاب حقنا للدماء وتفاديا للوقوع فى الهاوية. والأهم سعيا لحياة سياسية ديمقراطية وحكومة مدنية جديدة. وأشارت الافتتاحية أيضا إلى أن ما تمارسه الإدارة الأمريكية من عدم الوضوح وعدم المكاشفة الواضحة للسلطات فى مصر فى الفترة الأخيرة له عواقب. وقالت الصحيفة: «إن محو الإخوان المسلمين من المشهد السياسى فى مصر، كما يبدو أن السيسى ينوى فعله لأمر مستحيل. ومحاولة القيام به هى اللعب بالنار. وقد يخلق انقساما يضع مصر على طريق لحرب أهلية بعواقبها الوخيمة. والانتفاضات العنيفة فى سوريا ومصر فى نفس الوقت قد تكون خطيرة لإسرائيل بالذات حليف أمريكا الأقوى فى المنطقة. إن إبعاد مصر عن حافة الكارثة يجب أن يكون واحدة من الأولويات الأكثر إلحاحا للرئيس أوباما». وفى سياق متصل ومع انطلاق عملية السلام الجديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين فى واشنطن طُرح من جديد التساؤل المعتاد عن دور لمصر، وعما إذا كان فى إمكانها اليوم مثل أمس أن تقوم بدور محورى؟!. مسؤول كبير بالبيت الأبيض كان يتحدث مساء الثلاثاء مع الصحفيين عن أجواء انطلاق عملية السلام الجديدة أشار إلى أن مجموعة العوامل والتطورات السياسية التى نشأت أو تفجرت فى المنطقة، ومنها بالطبع فى مصر وسوريا أدت إلى خلق «مناخ استراتيجى جديد» (حسب وصفه) يساعد أو يدفع بضرورة عملية السلام وإمكانية تحقيق نتائج من خلالها. مصر ودورها ومكانها ومكانتها فى المنطقة لا يمكن تجاهلها أو إهمالها. جيرالد سايب مدير مكتب واشنطن ل«وول ستريت جورنال» كتب أخيرا مقالا عن الأوضاع المتقلبة فى المنطقة والحيرة الأمريكية قال فيه: «المشكلة أن التاريخ يعلمنا أن الشرق الأوسط لا يحب أن يتم تجاهله. فمن خلال زيادة أسعار الطاقة أو كارثة إرهابية أو أى مصيبة أخرى لديه (الشرق الأوسط) عادة يدس نفسه على الأجندة الأمريكية. وهذا يترك للولايات المتحدة الخيار غير المرضى للعمل مع الحلفاء على مجموعة من نصف الخطوات لتحريك المنطقة بعيدا عن حافة الهاوية، وبالتالى يمكن للتحول أن يبدأ من جديد». ويذكر سايب أمثلة لتلك «نص الخطوات مع السعوديين لإقناع السيسى فى مصر بأن يتم احتواء قوات الأمن، مع الأوروبيين لمساعدة الأردن فى معالجة أزمة المهجرين، مع الحلفاء العرب لكى يمارسوا الضغط الكافى لإطاحة الرئيس السورى الأسد قبل أن تنقسم سوريا بشكل دائم» مضيفا «هذا ليس بالقائمة التى يمكن الرضا عنها إلا أنها ربما هى القائمة الوحيدة المتوافرة». فى هذه الأجواء ليس من الغريب أن يتساءل المرء: هل فى إمكانية إدارة أوباما أن تفعل شيئا فى ما يخص مصر وعدم انزلاقها أو عدم اندفاعها نحو الهاوية؟ أم أن غدا لناظره والمهموم به غير قريب على الإطلاق؟!