دعا الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور ممثلين عن جميع القوى السياسية والاتجاهات الفكرية والشخصيات العامة إلى الجلسة الافتتاحية لمؤتمر المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وقد حضر جميع من وُجهت إليهم الدعوة من الأحزاب السياسية المدنية والشخصيات العامة والإسلامية المستقلة، وغاب عن الحضور ممثلو حزبى الحرية والعدالة والنور، إضافة إلى شخصيات أخرى قريبة من هذا التيار. ذهبنا إلى هناك فكانت الملاحظة الأولى هى أن الدولة المصرية بدأت تعود تدريجيا بعد تحريرها من سطوة المرشد والجماعة والأهل والعشيرة، فقد بدا واضحا أن هناك عودة لمؤسسات الدولة وأن ترتيبات الجلسة تخضع لإجراءات دقيقة، وقد بذل الدكتور مصطفى حجازى المستشار السياسى للرئيس، دورا كبيرا فى ترتيب اللقاء وإدارته على نحو هادئ ومتزن، وقام الأستاذ أحمد المسلمانى المستشار الإعلامى للرئيس، بإبلاغ الحضور بأن اللقاء مسجل، وأنه قد يتم بث أجزاء منه. حضر الرئيس المؤقت المستشار عدلى ومنصور وألقى الكلمة الافتتاحية، كانت كلمة قصيرة مركزة حافلة بالمعانى والقيم، شرح الموقف بدقة منذ بيان الفريق أول عبد الفتاح السيسى وما تم تنفيذه من خارطة الطريق التى تم طرحها وتحديدا توليه شخصيا الرئاسة باعتباره رئيسا للمحكمة الدستورية العليا، مشيرا إلى أنه أمر حدث بحكم المنصب الذى كان يشغله ولم يؤد اليمين الدستورية الخاصة به وقدم رؤية واضحة فى طبيعة الدولة المصرية باعتبارها دولة مدنية حديثة تنهض على حكم القانون، والمساواة بين المصريين ومبدأ المواطنة. جلسنا نستمع إلى المستشار عدلى منصور بانبهار شديد فالرجل هادئ، صبور، يتحدث بلغة رائعة كعادة قضاتنا والدستوريين منهم، كنا أمام قاضٍ مصرى يجلس على كرسى رئيس الجمهورية وهو يعلم قدر مصر وقيمتها، وأهمية الأحزاب والقوى والتيارات السياسية المدنية التى لبَّت دعوته، وكان مقدرا للشخصيات العامة التى حضرت اللقاء وطرحت خلال اللقاء أفكارا كثيرة واقتراحات عديدة، وكان الرجل يستمع باهتمام شديد إلى كل ما يُقال، وكان يتدخل بالتعليق والشرح عندما يرى ذلك ضروريا. نفى الرجل وجود توجه إلى محاباة حزب النور فى الإعلان الدستورى الذى أصدره والذى وضع المادة (219) منه التى تفسر مبادئ الشريعة وتحولها إلى أحكام ضمن المادة الأولى فى الإعلان، مؤكدا أن البلد كان على شفا انقسام شديد وكنا نبحث عن لملمة الأطراف المختلفة، نافيا أن يكون لوجود المادة (219) أى دلالة على ما سوف يرد فى التعديلات الدستورية. وعندما طالب غالبية الحضور بضرورة حل الأحزاب الدينية عبر إلغاء السماح بتأسيس الأحزاب على أساس دينى، رد الرجل بالقول هناك لجنة من عشرة خبراء تشكلت وتبحث حاليا التعديلات التى يجب إدخالها على دستور 2012 المعطل، وأنه شخصيا لا يتدخل على الإطلاق فى عمل اللجنة، كما أنه ستكون هناك لجنة من خمسين عضوا سوف تنظر فى التعديلات النهائية، ولكم أن تطرحوا ما تشاؤون من تعديلات. وقد طرح عدد من الحضور لماذا لا نكتب دستورا جديدا للبلاد بدلا من تعديل دستور كارثى؟ كان رد الرئيس المستشار عدلى منصور أن تعديل الدستور لا يتضمن عدد المواد التى سيتم تعديلها، فقد تكون مادة واحدة وقد تطول التعديلات مئة مادة من مواد الدستور، وهو ما لقى ارتياح الحضور، وهو رأى منطقى لا سيما أن هناك مواد «نمطية» فى الدساتير ولا مجال للخلاف حولها، ولو فحصنا دستور 2012 فسوف نجد أن اعتداءات الجماعة ورفاقها من تيار الإسلام السياسى على دستور 1971 يتمثل فى عدد محدد من المواد، فهناك مواد مطلوب حذفها تماما كالمادة 219، وهناك مواد مطلوب تعديلها وثالثة مطلوب إضافتها مع تنقية الدستور من كثير من اللغو والتكرار، وهى جميعها أمور يمكن إنجازها من خلال اللجنتين، لجنة العشرة ولجنة الخمسين. فى تقديرى أن المستشار عدلى منصور يمثل نموذجا لمواطن مصرى محب لبلده، فهو قاض مصرى شريف، واسع الاطلاع، هادئ الطباع، مؤمن بمصر دولة مدنية حديثة قائمة على حكم القانون، والمساواة والمواطنة، فكل التقدير لهذا الرجل الذى وضعته الأقدار على رأس السلطة فى البلاد فى مرحلة دقيقة من عمر البلاد