أودعت المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية، حيثيات حكمها ببطلان قرار التعيينات الإدارية الأخيرة بهيئة النيابة الإدارية، وبطلان ما ترتب عليهما من قرارات أخرى بما فيها قبول عدد من الموظفين بالهيئة. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها: إن الإعلان الصادر من هيئة النيابة الإدارية، جاء منطويًا على تفرقة تحكيمية بين مواطني الدولة الراغبين في التقدم لشغل الوظائف المعلن عنها، على أساس النطاق الجغرافي محل الإقامة، إذ حجبت الجهة الإدارية من لدية رغبة من جموع المواطنين ممن توافرت فيه الشروط الأخرى عن التقدم لشغل الوظائف المعلن عنها. وأضافت الحيثيات، أن المشرع الدستوري حرص دومًا على تحقيق مبدأ المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين المواطنين، إعمالاً للمبادىء التي رسخت في وجدانه، وحرصت على ترديدها جميع الدساتير المتعاقبة فضلاً عن استهلال نصوصها به، لما لها من سمو ورفعة ترقي بها، لأن تكون من دعائم قيام الأمم وبناء الحضارة، وأن في تغييبها غيابًا للدولة وتقويضًا لأركانها وزعزعة لاستقرارها ونشرًا لما قد يوغر الصدور بسبب التمييز أو المعاملة التفضيلية المهدرة لضمانة جوهرية لتحقيق العدل والسلام الاجتماعي. وأشارت، أنه لا ريب للمحكمة أن الجهة الإدارية عندما اشترطت في هذا الإعلان إقامة المتقدمين لشغل الوظائف المعلن عنها في محافظات بذاتها، قد فارقت بذلك قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية، لإخلالها بمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين، وانطوى تصرفها على أحد صور التمييز المنهي عنه دستوريًا بنص أمر قطعى الدلالة والثبوت، بعدم التمييز بين المواطنين على أساس جغرافي، كأحد الحقوق والحريات والواجبات العامة، بما يترتب على هذه المخالفة عدم مشروعية ما يصدر عن أي من السلطات العامة في هذا الشأن. ولفتت المحكمة إلى أنه ورد في شروط التقديم بهذا الإعلان، أن يكون المتقدم من المقيمين إقامة دائمة بدائرة المحافظة المطلوب التعيين فيها، وفقا لعنوانه الثابت ببطاقة الرقم القومي قبل نشر هذا الإعلان بسنة على الأقل ولا يعتد بأي تغيير بعد ذلك، ومن ثم فقد شاب إعلانها هذا ذات العوار الدستوري والقانوني إذ حجبت بذلك عن مواطني الدولة ممن توافرت فيهم الشروط الأخرى عن التقديم لشغل الوظائف التي أعلنت عنها بهذا الإعلان، دون سند من الدستور أو القانون بل خروجًا عليهما بما يصمه، فضلا عن عيب عدم المشروعية الجسيم، وتبعا لذلك يرجح إلغاءه وإلغاء ما يترتب عليه. وتابعت، إن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع قد استظهرت أن المساواة التي يوجبها إعمال مبدأ تكافؤ الفرص تتحقق بتوافر شرطى العموم والتجريد في كافة القواعد التنظيمية التي تضعها جهة الإدارة التي تملك بمقتضى سلطتها التقديرية وفقًا لمقتضيات الصالح العام وإعمالًا للقانون وضع شروط عامة مجردة تحدد بها المراكز القانونية التي يتساوى بها الأفراد أمام القانون، بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب إعمال المساواة بينهم لتماثل ظروفهم ومراكزهم القانونية، وإذا اختلفت هذه الظروف بأن توافرت الشروط في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم وكان لمن توافرت فيهم هذه الشروط دون سواهم أن يتمسكوا بها، باعتبار أن المشرع هنا إنما يخاطب الكافة من خلال هذه الشروط. وأضافت الحيثيات، أن تكون هذه الشروط من جنس الشروط التي أجملها القانون وفصلتها اللائحة التنفيذية، وأن تكون متصفة بالعمومية والتجريد لا أن تكون شروطًا منطوية على تمييز منهى عنه أو إخلال بالمساواة أو بتكافؤ الفرص التي كفلها الدستور للمواطنين جميعًا عند شغل الوظائف العامة ولا مراء في أن ما اشترطته الجهة الإدارية في الإعلان الصادر عنها من كون جميع المتقدمين من خريجى كليات الوجه البحرى والقاهرة دون غيرهم من خريجى الكليات الأخرى قد انطوى على إخلال بالمساواة وبالفرص المتكافئة للمواطنين جميعًا طالما قد اتحدت مراكزهم القانونية كما أن ما تطلبته الجهة الإدارية من أن يكون جميع المتقدمين من المقيمين بمحافظة دمياط، هو أمر ينطوى على تمييز غير مبرر طالما قد استوفى المتقدم الشروط الواردة في الإعلان وهو الأمر الذي يعيب الإعلان من حيث المبدأ بعيب عدم المشروعية الجسيم بما يغنى عن الخوض في إبداء الرأى فيما طلبته الجهة الإدارية من مدى استيفاء المتقدمين لشرط الإقامة بمدينة دمياط من عدمه، يُراجع في هذا المعنى فتوى الجمعية العمومية رقم 660 بتاريخ 13 / 7 / 2002 ملف رقم 86 / 6 / 599 }. وترتيبًا على ما تقدم وهدّيًا به؛ وإذ أعلنت هيئة النيابة الإدارية بتاريخ 26/12/2015 عن حاجتها لشغل بعض الوظائف عن طريق التعيين للعمل بمحافظات الجمهورية المختلفة طبقًا لاحتياجات العمل الفعلية، وتضمن هذا الإعلان شغل عدة وظائف: أولًا مهندس ثالث ؛ من الحاصلين على بكالوريوس هندسة؛ للعمل في محافظتى القاهرة والجيزة والمقيمين بها وقت الإعلان، ثانيًا باحث تمويل ومحاسبة؛ من الحاصلين على بكالوريوس تجارة؛ للعمل في محافظتي القاهرة والجيزة والمقيمين بها وقت الإعلان، ثالثا باحث ثالث تنمية إدارية؛ من خريجى كليات الحقوق والشريعة والقانون والخدمة الاجتماعية والزراعة والألسن والآداب قسم اجتماع والحاسب الآلي؛ للعمل في محافظتي القاهرة والجيزة والمقيمين بها وقت الإعلان، رابعًا؛ باحث ثالث تنمية إدارية من خريجى كليات الحقوق والشريعة والقانون والحاسب الآلي للعمل بمحافظاتالإسكندرية والغربية وأسيوط، خامسًا؛ فني رابع، من الحاصلين على دبلوم المدارس الثانوية نظام الثلاث سنوات للعمل بمحافظتي القاهرة والجيزة والمقيمين بها وقت الإعلان، سادسًا؛ كاتب رابع للعمل بمحافظات الجمهورية المختلفة وفقًا للجدول المبين بالإعلان من المقيمين بها وقت صدور الإعلان، سابعًا؛ كاتب رابع أعمال سكرتارية للعمل بالقاهرة والجيزة وشبرا الخيمة من المقيمين بها وقت صدور الإعلان، ثامنًا ؛ حرفي مساعد للعمل بمحافظتى القاهرة والجيزة ومن المقيمين بهما وقت صدور الإعلان، تاسعًا؛ خدمات معاونة "عمال" للعمل بمحافظات الجمهورية المختلفة وفقًا للجدول المبين بالإعلان. وورد في شروط التقديم، يقتصر التقديم على الوظائف المعلن عنها بالمحافظات وفقًا لعنوان المتقدم ببطاقة الرقم القومى وقت صدور الإعلان عن المسابقة ولايعتد بأى تغيير في العنوان بعد ذلك، وألا يتجاوز سن المتقدم للوظائف المعلن عنها بالبنود، أولًا وثانيًا وثالثًا ورابعًا (33) عامًا، والوظائف المعلن بالبنود خامسًا وسادسًا وسابعًا وتاسعًا (28) عامًا، وبالنسبة للوظائف المعلن عنها بالبند ثامنًا (35) عامًا، وقت صدور الإعلان. وأشارت المحكمة، أنه ما تقدم وكان لا مُمَاحَكَةَ في أن الشارع لم يترك أمرًا ما شرعه ليذهب سدىً ولم يذر ما ينطق به من حق ليذهب هباءً بل أحاطه بسياج قوامه بسط المحكمة رقابتها وولايتها على مسلك الجهة الإدارية؛ لتبيان مدى موافقته لأحكام القانون وانصياعه له، وإذ اشتمل إعلإن الجهة الإدارية المدعى عليها على نحو ما انتهينا إليه على عنصرين إنزلق به إلى عيب عدم المشروعية الجسيم، بما يفقده كيانه ويجرده من صفاته ويزيل عنه مقوماته كتصرف قانوني نابع من جهة الإدارة، وإنخلع عنه ما كان يتوجب عليه أن يلتحف به من عباءة القانون التي تبرئه من مواطن العوار والزلل - بعد أن وزنته المحكمة بميزان المشروعية مقسطة غير قاسطة إعلاءً لكلمة القانون وقالة الحق، بعد أن أجرت ميزان المشروعية عليه وزنا يرتاح إليه ضميرها راحة من أدى الأمانة على وجهها لتبيان مروقه على مبادئ وأحكام الدستور والقانون؛ إزالة لما ران عليه من عدم المشروعية واستجلاءً وصونا للحقوق وإعلاء لمبدأ المساواة بين جموع المواطنين،وردا للجهة الإدارية المدعى عليها إلى جادة الصواب إذا تفرقت بها السبل جانحة عن أحكام الدستور والقانون ونصوصه ومبادئه التي ارتضاها المجتمع له نبراسًا وقبلة وإرساءً لقواعد العدالة ودعائم السلم الاجتماعى، لما كان ذلك؛ وإذ هوى هذا الإعلان إلى عيب عدم المشروعية الجسيم على نحو ما انتهت إلية الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بفتواها السالف بيانها مما يغدو بهذه المثابة ؛ منعدمًا، وإذ صدر القرار الطعين رقم 125 لسنة 2016 من رئيس هيئة النيابة الإدارية إستنادًا إلى هذا الإعلان،فمن ثم ؛ يضحى غير مبرءِ من هذا العيب ؛ إعمالًا للقاعدة الأصولية أن ما بنى على باطل فهو باطل، ويغدو تبعًا لذلك والعدم سواء، وزال عنه وصفه كتصرف قانونى قائم ومنتج لأثاره،، ومن ثم ؛ تقضى المحكمة بإلغائه إلغاءً مجردًا.