يسرا وجدت بوصلتها أخيرا.. عادت بهدوء لتلك الأيام التى كانت تسأل فيها «أين قلبى»، عنوان المسلسل الذى قدمته قبل عشر سنوات، لكن مريم أكثر جرأة وقوة من فاتن، ليست مقارنة لكنها مقاربة بين دورين قدمتهما الممثلة التى تتمتع بقبول غير عادى. يسرا والسيناريت تامر حبيب للمرة الثانية على التوالى «قبل ذلك قدم الثنائى عملهما الأول فى التليفزيون من خلال مسلسل (خاص جدا) عام 2009»، معهما هذه المرة حكاية مريم، المرأة التى تحاول بالفعل أن تكذب وهى تتحدث مع طليقها، وتشيح بوجهها، حتى لا تفضحها ملامحها، فالرجل كان يحدثها ببساطة عن زوجته، ويعاتبها أنها لم تكن تهتم به بسبب الأولاد. أنانية الرجل كادت تقتلها، والحنين إلى حبها القديم كان يقتلها أيضا، لكن ما يؤسف فعلا أن الزوج السابق وأبو العيال بدا وكأنه خلع المشاعر القديمة من قلبها نهائيا. من قال إن الرجال يمكن أن يكونوا مخلصين؟! هو السؤال الذى سألته مريم بعينيها، ولسان حالها يردد مع وردة «نكدب لو قلنا مابنحبش»، إنه اسم المسلسل الذى بدا ناعما كما شهده، دون أن يخلو أيضا من قسوة الواقعية، التى تظهر فى اختبارات الحياة التى وقعت فيها الفتيات اللاتى يعملن فى المطعم الذى تملكه مريم. يسرا لم تدعِ أنها ستكشف أسرار النفس البشرية فى هذا المسلسل، ولم تروج للعمل على أن موضوعه يناقَش للمرة الأولى فى الدراما العربية، ولم تصف دورها بأنه جديد عليها تماما، المسلسل بسيط، هكذا بلا فذلكة ولا ادعاءات من تلك التى تسوقها بعض زميلاتها تمهيدا لأى عمل يُقدمن عليه، ثم فى النهاية نكتشف أننا كنا مخدوعين. ليس خطأ أن تعيد حساباتك وأنت فى منتصف الطريق، ليس خطأ أن تتوقف عن الدوران لفترة من الزمن، بهدف أن تعود أكثر توازنا، وأكثر اتساقا مع ما حولك، فالدنيا لا تبقَ على حالها، والفن يجب أن يجارى ما يحدث، فربما يكون التغيير هو الحل الوحيد للاستمرار، هذا ما فعلته يسرا بمرونة قد تكون تأخرت بعض الوقت، عندما قررت أن تفتح صفحة جديدة مع جمهورها، وكان مشجعها الأول هنا تامر حبيب، حيث صاغ لها العام الماضى الشخصية المرحة للغاية شربات أو شوشيت، وهو فى هذا الموسم رسم لها مريم. طبيعية مريم، امرأة عادية، تفرح وتيأس، وتساعد من حولها، ثم تتفرغ لنفسها بعض الوقت، فلا وجود للمثالية المطلقة، ولا هناك إفراط فى ملائكية الشخصية، لكن المهم هى من ترتدى ملابس مريم، إنها يسرا، إذن فمن الذى لا يحب مريم عندما تجسدها يسرا؟ يسرا لا تبذل مجهودا إطلاقا وهى تمثل، فهى تنجح بسهولة أن تنقل لك مشاعر المرأة المجهدة والمنهكة من تقلبات الحياة، لكنها أيضا ليست مكسورة الجناح، ولا تتوقف عن إطلاق الإفيهات حتى بعد أن حدث أكثر ما تكرهه فى الحياة وهو طلاق ابنتها، هى هنا تتعامل بحساسية وذكاء، أم تمتلك مطعما كبيرا، وتصادف عشرات النماذج من البشر، إذن لا داعى لجعل الأمر كارثة يأتى بعدها الموت. المرونة والاعتراف بضرورة التغيير هما أيضا ما جعلا يسرا ما زالت وجها سينمائيا، ووقفات ندا لند أمام ممثلة شابة مثل مى عز الدين فى فيلم «جيم أوفر» الذى عرض قبل عام، لكن يحسب لها حفاظها على وجودها على الأفيشات حتى الآن، وبنفس المساحة القديمة، ولا شىء أكثر من الصدق مع النفس يطيل عمر الفنان، ويجعل جمهوره أكثر تعلقا به يوما بعد آخر. سوف تظل يسرا قريبة للقلب، سوف تظل ابتسامتها تشع أملا. ورغم أنها هذا العام «حصريا على دريم» فإنه لا مجال أبدا لتجاهل طلتها، فسوف تبحث عن القناة وتدوّن مواعيد عرض المسلسل، إلا أن تجد يدك تتحرك تلقائيا كل يوم فى الموعد المحدد تماما، ويتوقف الريموت عند قناة يسرا.