(1) بلغة "البيولوجيا" فإن أزمة تسريبات الثانوية العامة مقطع عرضي لأزمات مصر منذ أعوام؛ كيف تنشأ وكيف تتعقد وكيف تحل ومن يتصدى للحل. الانضباط" هذا المصطلح الذي يغازل المخيال السيادي تكرر عشرات المرات في خطاب وزير التعليم الهلالي الشربيني منذ اختياره في حكومة شريف إسماعيل، الأخبار تتوالي؛ عشر درجات للانضباط في المدارس"، "الوزير يلغي درجات الانضباط للصف الثالث الثانوي"، "انضباط الامتحانات جزء من هيبة الدولة"، "الوزير يطالب تعاون الجميع مع الوزارة لعودة الانضباط مرة أخرى للعملية التعليمية"... إلخ. دخل الرجل إلى سلم الوزارة من قاموس "الضبط والربط" الحاشد بكلمات وجمل باتت تحاصرنا؛ "هيبة الدولة"، "الدولة في حالة حرب"، "المؤامرة" "سوريا و العراق" التي ترى في الغضب على نظام مبارك فوضى، حان وقت تأديبها، من أجل بقاء الدولة، ولدولة بالطبع هي المؤسسات، والباقي تفاصيل. الهلالي حفظ قاموس "الضبط والربط" جيدا، كان الكارت السحري لعبوره أزمات عتيدة، لعل أكثرها فجاجة أخطاء الإملاء المتعددة على صفحته بموقع الفيس بوك، التي كانت وحدها مؤشرا على فشل مشروع تحديث دولة يوليو. احصل على الدكتوراه والأستاذية بلا أثر. تقول السيرة الذاتية للسيد الوزير أنه حاصل على شهادة في اللغة الإنجليزية ثم ماجستير و الدكتوراه في التربية، تولى عمادة كلية التربية، قبل أن يصبح مستشارا ثقافيا في ليبيا، وبعدها نائبا لجامعة المنصورة فوزيرا للتعليم. ومن بين السطور الطريفة في سيرته المهنية حصوله على جائزة للعلوم الطبية من جامعة بنغازي، جائزة العلوم الطبية لرجل متخصص في التربية. لا بأس! إنها شهادة ستنفع يوما صداقة لمندوبي الأجهزة مع سيرة ذاتية متضمنة بعض بالجوائز. وقاموس للضبط والربط. هذه خلطة الترقي والصمود. في أكتوبر الماضي أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقريرا عن جودة التعليم السنوي لعامي 2015 / 2016 ، واحتلت مصر المرتبة قبل الأخيرة من بين 140 دولة متقدمة عن "غينيا. التصنيف الفضيحة يعني أننا أمام منظومة تعليمية مترعة بالفشل. الهلالي يعرف جيدا أن القاموس السحري للضبط والربط يطيل العمر، ليس مهما أن تفشل، لكن الأهم أن تجعل إزاحتك رغم الفشل عيبا، وكسرا للهيبة. موديل "الهلالي" ليس جديدا، حكى د جلال أمين في مذكراته عن رفعت المحجوب بعد هزيمة يونيو. دخل قاعة الحفلات الكبرى بجامعة القاهرة وهو يبكي مرتديا "الكاكي" في أداء مسرحي ضمن له بعد ذلك الدخول في أروقة السلطة حتى اغتياله. (2) الهلالي كان نائبا لوزير التعليم العالي السابق السيد عبد الخالق، والأخير خرج من منصبه بعد فضيحة فجرها رئيس جامعة القاهرة الحالي جابر نصار عندما طلب منه الوزير وقتها استثناء أخت مذيعة قدمت نفسها أنها على صلة بمؤسسة الرئاسة من التوزيع الإقليمي وفي حيثيات دفاعه عن نفسه قال عبد الخالق إن أبناء القضاة والضباط سيتم استثناءهم من القرار لاعتبارات وظائف آبائهم. وقتها رفض نصار تنفيذ القرار لأنه ضد القانون والدستور. لكن عبد الخالق كان ينظر إلى ما هو أقوى من القانون و الدستور. إلى قاموس الحرب و الانضباط وهيبة الدولة. الهلالي على خطى رئيسه السابق؛ نشرت جريدة الشروق في عدد السبت الماضي نقلا عن مصدر خبرا يفيد أن 120 طالبا في الثانوية العامة من أبناء الضباط والقضاة ونواب البرلمان بأسيوط نقلوا إلى لجنة في البداري، وفي نفس الجريدة بعدد الثلاثاء اعتذر مدير لجنة الامتحانات السابقة عن منصبه لعدم قدرته على مواجهة الغش الجماعي. والنقل تم بموافقة الوزير قبل الامتحانات. وإذا سألت عن السر سيقولون لك كلاما كبيرا عن الوطن وتحدياته والأعباء الملقاة على رموز الدولة وحتمية تكريم السادة الآباء. وهي جمل حفظها الهلالي جيدا من قاموس "الضبط والربط". (3) لعلها مفارقة أن الرجل الذي قدم نفسه كفتى الانضباط الصارم الحائز على جائزة تفوق طبية "وبيصلح ساعات" تتعرض فصيلته الوحيدة للتعري، فتتسرب امتحانات الثانوية العامة وإجاباتها النموذجية، والتسريب يعني أن هناك من خان الأمانة ويعمل تحت رئاسته. تحركت السلطات وحققت النيابة وحبست على ذمة التحقيق 12 مسئولا تعليميا. سارع المتحدث باسم الوزير قائلا:" إننا نتعرض للاختراق من قبل أهل الشر من جماعة الإخوان داخل الوزارة، إنها حرب ضد الدولة". من جديد يطل "قاموس الانضباط" لينقذهم من الفشل. ليس مهما أن تسأل . وهل جماعة الإخوان الإرهابية أقوى من الدولة؟ ومن اختار أهل الشر ليستمروا في الوزارة بمناصب قيادية؟ ومن سرب الامتحانات في عهد الإخوان قبل ذلك. لا تسال عزيزي حتى لا تهز هيبة الدولة.