عقب استقالة داود أوغلو في الاجتماع الاستثنائي للهيئة التنفيذية والإدارية العليا لحزب العدالة والتنمية المزمع عقده في22 من الشهر الحالي، فإن الشخص الذي عين وهو "بن علي يلدرم" أحد أصدقاء والمقربين من أردوغان ومسايرًا لأجندته بشكل تام، وسيتم إضعاف سلطة معارضي النظام الرئاسي داخل الحزب. وسيكون الهدف الأول والأساسي لحزب العدالة والتنمية هو بذل كافة الجهود للانتقال إلى النظام الرئاسي. - انتخابات برلمانية جديدة: بعد انتخاب رئيسًا لحزب العدالة والتنمية، سيتوجه الناخبون الأتراك، إلى صناديق الاقتراع، لانتخابات برلمانية جديدة، فالانتخابات العامة المبكرة، أبرز السيناريوهات المتوقعة لتركيا. فالانتخابات المبكرة في الصيف المقبل في ظل أجواء الحرب مع حزب العمال الكردستاني سيقلل من أصوات حزب الشعوب الديموقراطي الكردي، وربما يخرجه من مجلس النواب، وبنفس الوقت تعاني الحركة القومية من أزمة داخلية وهو ما قد يمكن حزب العدالة والتنمية من كسب أصواتهما ونيل ثلثَي مقاعد المجلس، وهو ما يأمله أردوغان. -لماذا يسعى أردوغان للنظام الرئاسي؟ الرئيس رجب طيب أردوغان لم يكن أول من طالب في تركيا بالانتقال من النظام النيابي إلى الرئاسي، فقد سبقه إلى ذلك كل من الرئيسين توركوت أوزال وسليمان ديميريل اللذان لم ينجحا في وقت كان حزبيهما يحكمان تركيا في الثمانينيات والتسعينيات وانتهى الأمر بحزبيهما خارج مجلس النواب. "فأردوغان" يسعى إلى صلاحيات دستورية مطلقة ليضمن استقلاليته كرئيس للجمهورية بغض النظر إن كان حزبه العدالة والتنمية يمتلك أغلبية في مجلس النواب أم لا. وتشمل صلاحيات الرئيس في مشروع النظام الرئاسي، تعيين قادة القوات المسلحة ومدراء الأمن العام والمخابرات، وتعيين رئيس المحكمة الدستورية والقضاة والمدعين العامين، وامتلاك حق النقض للقرارات الصادرة من مجلس النواب، ورفض الموازنة العامة، وتوقيع اتفاقيات دولية، دون وجود رئيس للوزراء. وهو نظام مشابه للنظام الأمريكي إلا أن المعارضة تخشى من أن يتحول النظام في تركيا إلى نظام استبدادي لعدم وجود مؤسسات قضائية أو تشريعية قوية كما هو الحال في الولاياتالمتحدةالأمريكية. مراقبون للشأن التركي يقولون: إن "المعارضة التركية وتيارات داخل حزب العدالة والتنمية تخشى من تحويل الدولة التركية إلى دولة حكم (شمولي دكتاتوري) عبر الانتقال إلى النظام الرئاسي، وهذه المخاوف انتقلت إلى دول الاتحاد الأوربي التي لا تريد أن ترى دولة دكتاتورية على حدودها الشرقية وهي ترى تنامي ظاهرة التطرف الإسلامي داخل المجتمع التركي. فالمعارضين من داخل حزب أردوغان يخشون من أن يؤدي الانتقال للنظام الرئاسي إلى تحرك الجيش الذي ما زال يحتفظ بما يكفي من قوته رغم كل الاعتقالات التي طالت عناصره بتهم الانقلاب، فأصحاب هذه الرؤية يعتقدون أن حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان صارا يشكلان تهديدًا للأمن القومي الأوربي والغربي عمومًا، ولم تعد تركيا تملك علاقات طيبة مع الغرب أو الشرق الأوسط أو دول الجوار، في وقت تشن فيه الحكومة التركية حملة عسكرية وثقافية ضد الكرد المتحالفين مع الغرب، وتقمع الحريات الشخصية والإعلامية، وتدخل في حرب ضد المؤسسات القضائية. وبعد كل هذا يسعى الرئيس أردوغان إلى صلاحيات دستورية رئاسية يجعله قادرًا على تغيير المبادئ العلمانية للجمهورية التركية وأسلمة الدولة، كل هذا قد يجعل الجيش يتحرك بموافقة أمريكية أوربية. - هل يمكن أن يتحول الدستور التركي لإسلامي؟ في مؤتمر نظمه اتحاد كُتاب وأكاديميي العالم الإسلامي الشهر الماضي، تحدث رئيس مجلس الأمة التركي إسماعيل كهرمان عن الدستور التركي الجديد الذي يسعى إلى صياغته حزب العدالة والتنمية منذ سنوات بالتنسيق مع المعارضة التركية. وذكر كهرمان أن الدستور الجديد يجب أن يكون "دينيًا" أي ليس علمانيًا، مستشهدًا بأن 3 دساتير فقط تحتوي على لفظ العلمانية وهي: الدستور الفرنسي والتركي والأيرلندي. فهذه التصريحات أدت لموجة من الانتقادات الواسعة لدى خصوم حزب العدالة والتنمية، حتى أن المتحدثة باسم حزب الشعب الجمهوري أكبر الأحزاب المعارضة - "سالين صايك بوكة"، دعت كهرمان إلى الاستقالة، معتبرة أن العلمانية بالنسبة للحزب خط أحمر لا يمكن تجاوزه أبدًا. وبعد الجدال الواسع الذي أحدثته هذه التصريحات في تركيا، خصوصًا أن العلمانية تأتي في مضمون المواد الثلاث الأولى من الدستور الحالي في تركيا التي لا يجب المساس بها (طبقًا للمادة الرابعة من الدستور، سارع كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو قبل استقالته إلى التعقيب على تصريحات كهرمان، حيث قال الرئيس التركي أثناء تواجده في كرواتيا: إن "العلمانية ستبقى دائمًا أحد أهم المبادئ التي قامت عليها الجمهورية التركية، والتي يسعى العدالة والتنمية إلى المحافظة عليها". واعتبر أن ما قاله كهرمان لا يتعدى كونه أمرًا شخصيًا وتعبيرًا عن رأيه فقط ولا يمثل توجّه حزب العدالة والتنمية"، واستشهد أردوغان بحديث أدلى به أثناء زيارته للقاهرة عقب ثورة25 يناير2011، في الفترة التي شهدت صعودًا سياسيًا لجماعة الإخوان المسلمين قبل توليهم السلطة في مصر، حيث تحدث عن أهمية العلمانية التي تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان. - تجربة الإسلام السياسي: كانت الأحزاب الإسلامية في الدول العربية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين تتخذ من حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي ونهضته بالبلاد مثالًا يُحتذى به لنشر أفكارها وكسب التأييد الشعبي لها، ولا تزال تفعل ذلك حتى بعد سقوط الجماعة في مصر. إلا أن الخلافات داخل الحزب الحاكم والتي تهدد بإنقسامة واحتمالية فشل تجربته بعد أكثر من11 عامًا، تشير إلى أن الخلافات الداخلية لأكبر الأحزاب السياسية تؤثر على مسار وعودة الإسلام السياسي في باقي الدول. وما يؤكد ذلك أيضًا إعلان زعيم حركة النهضة الإسلامية في تونس راشد الغنوشي يوم الجمعة الماضية أن الحركة ستفصل نشاطها السياسي عن النشاط الديني في خطوة تسعى من خلالها فيما يبدو إلى النأي بنفسها عن الإسلام السياسي.