معهد واشنطن: احتضنَّا الإخوان وعلينا الآن الاعتراف بأنهم ليست لديهم قدرة على تحقيق مصالح الدولة مصر بغضبها وتمردها وحكمها الإخوانى عادت من جديد لكى تتصدر المشهد السياسى والإعلامى فى واشنطن. استمرار المظاهرات ومطالب الملايين و«إنذار» الجيش احتلت لليوم الثانى على التوالى الصفحات الأولى لكبريات الصحف.. «نيويورك تايمز» كانت تتصدرها أول من أمس (الإثنين) صورة لغضب الشارع المصرى ومطالبته برحيل مرسى، وتابعت أمس الثلاثاء بنشر صورة للمقر الرئيسى للإخوان وما حدث له. واشنطن ما زالت تتابع باهتمام وقلق وحذر ما يجرى فى مصر وتكثف من اتصالاتها، من أجل معالجة الأزمة والأهم تحاول تفادى حدوث فوضى. نعم ما يحدث هو شأن مصرى داخلى. كما حرص على توصيفه جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى، إلا أن تبعات وعواقب ما قد يأتى مع الأيام والمواجهات قد يعدى و«يزلزل» المنطقة برمتها. فى وقت متأخر من مساء أول من أمس (الإثنين) (الأول من يوليو) اتصل الرئيس الأمريكى باراك أوباما هاتفيا بالرئيس المصرى محمد مرسى، ولم يتم الكشف عن تفاصيل المكالمة ومدتها. الرئاسة المصرية هى الجهة التى بادرت بذكر حدوث المكالمة الهاتفية، ومن ثم ما قيل عن «القيادة المصرية المنتخبة» و«تعامل أمريكا معها»، وعن «المضى قدما فى عملية التحول الديمقراطى السلمى» صادر من الجانب المصرى. أما البيت الأبيض وفى بيان صادر عنه صباح أمس الثلاثاء قال «إن الولاياتالمتحدة ملتزمة بالعملية الديمقراطية فى مصر ولا تدعم أى حزب أو جماعة»، وأن أوباما «حثّ مرسى على أخذ خطوات تظهر أنه يستجيب لهموم المتظاهرين. كما أن (أوباما) شدد على أن الأزمة الحالية يمكن حلها فقط من خلال عملية سياسية». ولعل ما صرح به أوباما فى دار السلام بتنزانيا قد يضع النقاط فوق الحروف (أو بعض النقاط فوق بعض الحروف) إذ قال: «ما هو واضح الآن أنه على الرغم من أن السيد مرسى قد تم انتخابه ديمقراطيا، فإن هناك المزيد من العمل يجب القيام به لخلق الظروف التى يشعر فيها كل شخص بأن أصواتهم قد تم الإصغاء لها، وأن الحكومة تستجيب لهم وبالفعل تمثلهم». كما تحدث يوم الإثنين أيضا الجنرال مارتن ديمبسى، قائد الأركان الأمريكية المشتركة، باللواء صبحى صدقى، رئيس الأركان المصرى، ولم يتم الإعلان عن تفاصيل المكالمة. وكان جورج ليتل المتحدث باسم البنتاجون (وزارة الدفاع) قد اكتفى فى تعليقه على صدور بيان القيادة العامة للقوات العسكرية المصرية بأن البنتاجون تدرس البيان وقال «لا يمكن التكهن بما سيحصل بطريقة أو أخرى خلال الساعات ال48 المقبلة». التعامل مع إنذار الجيش ومهلة ال48 ساعة تم بحذر وتوجس وتخوف من تكرار ما حدث من قبل. وتوقف أهل واشنطن بالتأكيد أمام ما نقل عن أحد مستشارى الرئيس ل«الجارديان» بأن انقلابا عسكريا فى الطريق. وأن «هذا لن يحدث إلا بموافقة واشنطن». الحديث نفسه عن انقلاب عسكرى مرتقب قيل ل«نيويورك تايمز» أيضا. «نحن نفهم ما حدث بأنه انقلاب عسكرى» قاله أحد مستشارى الرئيس مرسى الذى تحدث (حسب الصحيفة) بشرط عدم الكشف عن اسمه للحديث عن مفاوضات سرية. مضيفا «وما هو الشكل الذى سيأخذه هذا (الانقلاب) سنراه فى ما بعد». وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن «مفاوضات دقيقة» بدأت الإثنين بين مرسى والسيسى. وفى تقرير جديد صدر منذ أيام قليلة عن مركز أبحاث الكونجرس عن مصر والعلاقات الأمريكية، ذكر الباحث جيريمى شارب «ليس واضحا كيف سيكون رد الفعل الإسلاميين»، إذا حدث التدخل أو الانقلاب العسكرى. وأضاف: «إلا أن أخذا فى الاعتبار الحرب الأهلية فى سوريا والحرب الأهلية الممتدة من 1991 إلى 2002 فى الجزائر فإن كلا من الجيش والإخوان قد يكونان غير راغبين فى تصعيد المواجهات لتلك المستويات الدرامية». مضيفا «كيف ستتطور الأحداث فى الأيام والأسابيع المقبلة بالتأكيد سوف يؤثر على حسابات الجيش، وأن كثيرا من المراقبين يعتقدون أن القيادات العسكرية المصرية سوف تكون حذرة أكثر من أن تكون انتهازية». ولا شك أن التحمس للإخوان وتقبل أهل واشنطن لهم (ولو على مضض) فى تناقص مستمر. ديفيد بولوك، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وصف الحالة «لم يكن رهانا حسنا. نحن احتضنا الإخوان كشريك شرعى وعملى إلا أن الآن تبين لنا أنهم ليسوا فقط انحرفوا عن المسار الديمقراطى بشكل سيئ منذ نحو عام، بل ليست لديهم القدرة على تحقيق الاستقرار ومصالح الدولة فى مصر». وإذا كانت الأنظار متجهة إلى مصر فى الأيام الأخيرة من أجل متابعة الغضب العارم والانقسام المتزايد حول الرئيس مرسى وحكم الإخوان فإن الأنظار متجهة أيضا إلى واشنطن لمعرفة مدى تمسك إدارة أوباما به وإمكانية استعداده للتخلى عنه «إذا طالب الشعب بذلك» و«استجاب الجيش». وإذا كان موقف واشنطن مثارا للجدل والتكهن والتوقع و«سلق التصريحات والبيانات المبنية على المجهول»، فإن ما قالته الإدارة بنفسها فى الأيام الأخيرة، وما قد تقوله فى الساعات المقبلة قد «تضع الأمور فى نصابها الصحيح». أو هكذا التصور أو التوقع ونحن نسمع ونشاهد تصريحات الرئيس الأمريكى أوباما وكيرى وزير الخارجية. ومع قدوم 30 يونيو تجدد حديث واشنطن عن «معضلة» أوباما فى الاختيار ومدى نجاحه أو فشله فى التعامل مع هذه الثورة المتجددة و«الصيف العربى الساخن». خصوضا أن إدارته تواجه تحديات لا سبيل للفرار منها وهى تشاهد وتشهد حكومات إسلامية أتت بالصندوق واستحوذت على مقاليد الحكم وانفردت بها وترفض مشاركة الآخرين وتكفرهم وتطاردهم تحت مسميات مختلفة وتبريرات عديدة. كما أن مع اشتداد الأزمة ووقوف مصر «على حافة بركان» لم يكن بالأمر الغريب أن يطرح من جديد التساؤل إياه «إلى متى ستظل واشنطن إدارة أوباما صامتة ومتى ستقرر. أن تقف على الجانب الصحيح من التاريخ». والتعبير الأخير استخدم فى فبراير 2011 مع «تخلى واشنطن عن التمسك بمبارك» تحت تزايد ضغوط الشارع ومطالبة الملايين من المصريين برحيل مبارك. وأغلب المراقبين فى الأيام الأخيرة يشددون على قلقهم مما هو آت وقادم.. وبل وتكرار المشهد كما كان يوم 12 فبراير 2011، خصوصا أن التساؤلات والتخبطات والمواجهات لم تتغير وظلت كما هى. والمعارضة (فى رأيهم) لم تقدم البديل ولم تبد الرغبة ولم توحد صفوفها فى المواجهة ومن ثم استعدادها لتولى المسؤولية بدلا من الإخوان. وبالمناسبة هذا التوصيف لا يخص السفيرة الأمريكية فى مصر فقط (كما يهلل أغلب المعلقين المصريين)، بل يقوله من لهم باع طويل فى الشأن المصرى. فحسب مارينا أوتاواى، الخبيرة فى شؤون مصر: «ما يقلق جدا أننى لا أعتقد بأن المعارضة لديها الآن من خطط أكثر مما كانت لديها فى عام 2011»، ونقل عن آرون ديفيد ميللر، الدبلوماسى السابق وكبير خبراء مركز «وودرو ولسن» قوله: «نحن نتوجه نحو نهاية غير سعيدة لمصر، وليس واضحا بأنها غير سعيدة لأى مدى»، وأضاف: «لست أرى طريقا سعيدا للخروج من هذا.. الإخوان المسلمون لا يستطيعون الحكم والجيش لن يقوم بالحكم.. والمعارضة لا تعرف كيف تحكم. وهذا يعنى لا أحد يتحمل المسؤولية». وشدد الرئيس على أن الديمقراطية أكثر من أن تكون انتخابات وهى أيضا ضمان أن أصوات كل المصريين مسموعة ويتم تمثيلهم من خلال حكومتهم، بمن فيهم كثير من المصريين الذين يتظاهرون على امتداد البلاد. وكما قال الرئيس منذ الثورة فإن الرئيس أوباما أكد من جديد أن فقط المصريين فى استطاعتهم أن يتخذوا القرارات التى ستحدد مستقبلهم. وشدد الرئيس أوباما على اعتقاده بأن كل المصريين المتظاهرين يجب أن يعبروا عن أنفسهم بسلام، وحث الرئيس مرسى على أن يوضح لمؤيديه بأن كل أشكال العنف غير مقبولة. وأخيرا أشار الرئيس الأمريكى إلى أنه ملتزم بسلامة الدبلوماسيين والمواطنين الأمريكان فى مصر، وشدد على توقعاته بأن حكومة مصر ستواصل حماية الأفراد والمنشآت الدبلوماسية الأمريكية.