أظن من الصعب أن أحدا من الشعب المصرى باستثناء التيار الدينى خرج بشعور طيب بعد سماعه أو مشاهدته خطاب السيد الرئيس الأخير بعد أن اكتشف الجميع أن الانطباع الأول عن الرئيس ما زال موجودا، فالرئيس منفصل عن الناس، والرئيس منفصل عن الأمة، والرئيس رئيس لجماعة الإخوان المسلمين وليس رئيسا لمصر كلها. لا يمكن أن أصف شعورى وأنا استمع إليه طوال خطابه الطويل والمملّ، فعندما بدأ بالاعتذار أحسست أنه سوف يكون هناك كلام آخر غير هذا الاعتذار، وفعلا بعد ثوانٍ بدأ الرئيس يشمر سواعده ملوحًا باتهامات أظن أنه من الصعب أن تكون صحيحة إلا بعد تحقيقات واسعة وعادلة ولا يكون الرئيس طرفًا فيها. الرئيس اتهم أحد القضاة بالتزوير علنًا لا بعد تحقيقات أُثبِتَت فيها حقيقة هذا الاتهام، وما كان يقصد من اتهامه ذلك الرجل هو تخويفه فى القضية التى يُنظَر فيها والمتصلة باتهامات موجَّهة إلى أحمد شفيق. كيف يمكن أن يكون الرئيس طرفا مستغلًّا نفوذه فى إرهاب القاضى حتى يصدر قراره على هوى الرئيس؟ كيف يرضى الرئيس على نفسه أن يتدخل فى أعمال القضاء بهذه الصورة المزرية التى لا تحتاج إلى عقل ناضج لكى يكتشفها؟ ولا أعلم لماذا اختص الكاتب الكبير مكرم محمد أحمد متهما إياه أنه من الفلول، وقصة الفلول أصبحت قصة أقل ما توصف به أنها «بايخة»، فالملايين من شعبنا الكبير كله تعاملوا مع النظام السابق من خلال 30 سنة، وعلى الرئيس إذا كان يملك ما يثبت أن مكرم محمد أحمد قد ارتكب فسادًا فعليه التقدم إلى النيابة العامة، أما دون ذلك فغير مسموح. الأستاذ مكرم محمد أحمد قيمة صحفية محترمة سواء رضى محمد مرسى أو لم يرضَ، يملك أفكارا كثيرة قد نختلف معه فيها لكنه فى النهاية يظل قامة كبيرة فى عالم الصحافة سوف يتذكرها التاريخ بكل خير. السيد الرئيس برَّر كل أخطائه فى حق الوطن ولم يتقدم باعتذار، واعتذاره فى كلماته الأولى فى الخطاب لم يكن إلا طريقًا لرمى الجميع باتهامات أقل ما توصف به أنها اتهامات باطله.. أزمة البنزين سببها أصحاب محطات الوقود، كأننا نحن المسؤولون عن مراقبة تلك المحطات. الرئيس أكد أنه يريد المصالحة والدليل على ذلك أنه أصدر ضمن قرارات عنترية قرارا بإنشاء لجنة للمصالحة، ونحن هنا نتساءل: الرئيس يجلس على كرسيه منذ عام، فأين كانت تلك اللجان؟ الرئيس يقول إنه مد يده لجميع أطراف المعارضة وهم الذين رفضوا التعاون، ونحن هنا سيادة الرئيس نسألك: ألم يذهب إلى قصرك كل أطراف المعارضة بزعمائها وبعدها بقليل أعطيتهم وأعطيت لمصر أكبر خابور قسم هذه البلد وهو خابور الإعلان الدستورى؟ لا أعرف بالضبط هل هذا الرجل يعى ما يقوله جيدًا أم أنه يتصور أنه يتحدث إلى أشخاص أقل ما يتصفون به أنهم أغبياء؟ الرئيس تحدث إلى حواريِّيه فى المؤتمر بأن مصر تعيش فى بعض المشكلات، معلِّلًا مصادر هذه المشكلات تعليلًا غريبًا، كأنه ليس معنا فى مصر. ألا يعلم سيادة الرئيس أن العاصمة تعيش فى سواد من مشكلة البنزين؟ ألم يرَ أو يرَ حواريوه شكل ومنظر الميادين والشوارع فى القاهرة؟ بالطبع لم يرَ وبالطبع لم يروا، إنهم عميان، بالطبع لم يجلس الرئيس لمدة ساعتين أو ثلاث والتيار الكهربى مقطوع عنه، لذلك فهو لا يعى بالضبط إحساس الناس مع انقطاع التيار الكهربى بتلك الصورة. الرئيس ليس معنا، الرئيس مع الجماعة، الرئيس منفصل عنا وعن مشكلاتنا، الرئيس ينشغل بتمكين الإخوان المسلمين من الاستيلاء على المناصب الهامة. وقد اخترع لنا شيئا غريبا نحتاج إلى شرحه وتفصيله، هو أن يكون للمحافظين مساعدون من الشباب، وبالطبع لا يمكن أن ننتظر من هذا القرار إلا أن نرى مساعدين من الإخوان أو من التيار الدينى. الرئيس أصدر قراراته إلى المحافظين والوزراء بأن يقيلوا كل مَن هم من الفلول، واصفا إياهم بأنهم يعرقلون المسيرة، وهذا قرار غريب وعجيب ويحتاج وحدَه إلى ثورة على الرجل لتغييره، فمن يقدر أن يقول بأن يصدر الرئيس مثل هذا القرار ليمنح به المحافظين سلطة الإقالة دون أى شواهد قانونية ولا تحقيقات تؤدى إلى الإقالة؟ لذلك يمكن أن نجد أنفسنا خلال أيام والإقالات تنهمر على كثير من القيادات دون أى سند قانونى، ثم بالطبع تصدر القرارات ليستولى الإخوان المسلمون على مقاعد تلك القيادات (ضحك على الدقون). ألا يتخيل الرئيس أن الناس فى مصر أذكياء؟ وعلى الرئيس أن يسأل نفسه وهو يشاهد شريط الخطاب: كيف كانت وجوه الحضور من الشخصيات العامة ومن المسؤولين؟ يمكن أن نَصِفَها بأنها وجوه غاضبة أو كاتمة للغضب، ويسأل نفسه السيد الرئيس من كان يصفق له: العقلاء من الموجودين فى القاعة أم «فرقة حسب الله» فى آخر القاعة. لم تقدر «فرقة حسب الله» التابعة للإخوان المسلمين والمصفقة لكل كلمة يقولها الرئيس فى الخطاب أن تقنعنا أن الشعب مع الرئيس وأن ما يقوله الرئيس صدق، وعلى العموم أظن أن النهاية قريبة.